فصائل العمل الوطني وقيادات نسوية تؤكد أن المصالحة لن تحدث إلا من خلال تغيير سياسي جذري لكل المنظومات السياسية
رام الله-غزة الاثنين 28 آب، 2023
عقدت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية جلستين حواريتين في رام الله وقطاع غزة، بمشاركة عدد من القادة السياسية والقيادات النسوية، حول اجتماع القاهرة (اجتماع العلمين) بعنوان "مرحلة ما بعد اجتماع العلمين، الفرص والتحديات". وقد جاء اللقاء، الذي عُقد ضمن أنشطة مشروع "النهوض بحقوق المرأة من أجل تنفيذ اتفاقيات المصالحة"، في ظل ما رافق اجتماع القاهرة من تصورات وتوقعات، خاصةً وأنه الاجتماع الأول من نوعه على هذا المستوى منذ نحو 3 سنوات، فقد تصور البعض أن الوضع قد يكون مختلفاً هذه المرة، وأنه لن يصبح نسخة مكررة من اجتماعات كثيرة عُقدت للغرض نفسه من دون أن تتمكن من الوصول إلى أي نتائج إيجابية ملموسة.
ويُذكر أن لقاء العلمين جاء بناءً على دعوة من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، والذي حدد فيه مكان وموعد الاجتماع، في ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية حاليا، وزيادة في مستوى الاعتداءات التي ينفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين والفلسطينيات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد شارك/ـت في اللقاء الحواري في رام الله، مجموعة من القادة السياسية والقيادات النسوية، من ضمنهم/ـن عضو المجلس التشريعي السابق أيمن ضراغمة، والمرشحة السابقة لانتخابات المجلس التشريعي فاديا البرغوثي، والناشطة السياسية تامي الرفيدي. وقد أشار ضراغمة في مستهل حديثه الى المعضلة التي نتجت عن الانقسام الفلسطيني، والتي تأثر بها الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وأنه وعلى الرغم من اللقاءات والحوارات العديدة التي عُقدت في داخل فلسطين وخارجها من صنعاء والجزائر وموسكو وبيروت ومصر، وما نتج عن هذه اللقاءات من اتفاقيات، إلا أنه لم تُفضي هذه المحاولات لنتائج عملية على الأرض.
يقول ضراغمة: "الأمور صعبة وليست سهلة، وكل هذه الخطوات من مؤتمرات وتفاهمات واتفاقيات وتشكيك بالآخر تدل على معضلة في الحالة الفلسطينية، والحقيقة أن المشكلة ليست كبيرة وإنما هي خلافات سياسية".
ويضيف ضراغمة: "لقاء العلمين جاء بناء على ظروف دولية وإقليمية ومحلية معقدة، بالإضافة الى معركة جنين والاعتداءات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني مما شكل عبء على عاتق السلطة، الأمر الذي دفع الى تشكيل لجنة الأمناء العاميين، ولكن حتى تستطيع أن تحقق هذه اللجنة نتائج على الأرض لابد من قرار سياسي".
بدورها أشارت البرغوثي الى أثر الانقسام على المرأة الفلسطينية، وأكدت على ضرورة وجود دور للمرأة الفلسطينية في انهاء الانقسام، خاصة الطاقات الشابة من النساء الفلسطينيات، في ظل وجود حكومة صهيونية تعتبر الأشد تطرفاً، لا تدخر أي جهد في السيطرة على المقدرات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس من خلال ممارسات همجية ومجازر واقتحامات.
تُضيف البرغوثي: "لقد تمخض اجتماع العلمين عن لقاء سابق للأمناء العاميين عام 2020، للوقوف ضد صفقة القرن ومشروع الضم، وكان من ضمن الأهداف التي وُضعت حينها احتضان المقاومة الشعبية وإنهاء الانقسام. ثم تَبِع هذه اللقاءات انتخابات تشريعية وانتخابات رئاسية ومجلس وطني ثم قرر الرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات، وهذا يؤكد للجميع أن لقاء العلمين جاء بناءً على ضغط وطني".
أما الناشطة السياسية تامي الرفيدي، فأشارت الى عدم وجود أي نتيجة ملموسة ما قبل أو بعد لقاء العلمين، فحركة فتح كانت بحاجة إلى تبييض وجهها بعد اجتماعي شرم الشيخ والأردن. وحقيقة الأمور التي وصلت بنا الى هذه المرحلة الآن هي بالأصل خطة رسمت بوقت سابق، ونحن الآن في عملية الفصل النهائي. لذلك لابد من التوضيح أن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، والتأكيد على الرغبة بإنهاء الاحتلال على أراضي 67، والالتزام بالقرارات الدولية، والحل الأمثل هو المقاومة السلمية، والانتخابات هي وسيلة لتوحيد السلطة، وأن الحديث عن انتظار موافقة الاحتلال على انتخابات في القدس أمر لا ضرورة له خاصة أن الاحتلال ليس له أي سلطة ولا قرار في الانتخابات وإنما تم اتخاذها حجة لإلغاء فكرة الانتخابات.
وأضافت الرفيدي: "السلطة لا تريد أن تقتنع أن حركة حماس انتفضت عليها وأنها لن تتنازل عن الامتيازات التي تتمتع بها حالياً، وهذا لن يحدث إلا من خلال تغيير سياسي جذري لكل المنظومات السياسية."
بينما شهدت الجلسة التي عقدت في قطاع غزة بالتزامن مع الجلسة الحوارية في رام الله، والتي شارك بها عضو المؤتمر الفلسطيني 14 مليون أ. محمد ماضي، وعضوة حركة فتح، أ. رانيا اللوح، فقد أشار ماضي الى صعوبة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الآن، في ظل حكومة احتلال فاشية تسعى دائما الى طرد الفلسطينيين من أرضهم، فالكيان الصهيوني يحاول أن يغير من تاريخ الأماكن الفلسطينية، كل هذه التحديات تدفع إلى الحديث عن اتفاق العلمين. ويقول ماضاي: "كان لابد للقيادة الفلسطينية أن تظهر بوادر إيجابية قبل اتفاق العلمين، كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووجود برنامج عمل واحد واحتضان المقاومة الفلسطينية كخيار المقاومة الفلسطينية الأوحد بين جميع الأحزاب". ونوه ماضي إلى أن حركتي حماس وفتح يتحملا المسؤولية الكاملة للانقسام، وباقي الفصائل والشعب الفلسطيني عليهم مسؤولية أيضاً في استمرار الانقسام. كما أن الإرادة السياسية غير موجودة لإنهاء الانقسام.
ويضيف: "في ظل عدم وجود إرادة سياسية وفعالية لمثل تلك اللقاءات، المطلوب الآن أن نتجاوز كل هذا من خلال كتلة شعبية ضاغطة من كلا الجنسين، ولعل حل جزء من مشكلة الانقسام تكمن في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني التي مر عليه سنوات ولم يُنتخب، مشيرا إلى أن اتفاق العلمين لم يحقق أحلام الشعب الفلسطيني، ولم نلمس أي شيء على أرض الواقع". ويضيف: "اعتقد ان الانقسام الفلسطيني هو تخطيط إسرائيلي صهيوني امريكي بمشاركة فلسطينية، والقيادة الفلسطينية لا تمتلك قرار، وبرامجهم قديمة ولم تتغير. أعتقد أن وثيقة الأسرى التي تم توقيعها عام 2006 صالحة للتنفيذ، ومن الممكن العمل عليها لأنها تعكس برنامج فلسطيني وطني. الحل هو تشكيل كتلة شعبية ضاغطة، وعلى جمعية المرأة العاملة العمل والمساهمة في تشكيل هذه الكتلة."
من جهتها تحدثت اللوح عن لقاء العلمين والظروف التي أدت لعقد لقاء العلمين بسبب اجتياحات جنين والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وأشارت الى أن حكومة إسرائيل الحالية هي أصعب حكومة فاشية، وفي ظل هذه الحكومة المتطرفة لابد من إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وهذا أصبح المطلب ومن هنا جاء عقد لقاء العلمين.
وصرحت اللوح، أن حماس في البداية ترددت بالمشاركة في هذا اللقاء، وعندما تدخل اللواء المصري عباس كامل اقنع حركة حماس بالمشاركة. مضيفة أن لقاء العلمين كان مبادرة جيدة من الرئيس محمود عباس ولكن هناك دول إقليمية كان لها تأثير على القرار الفلسطيني، وفي الظرف الحالي من الأولى أن يكون القرار صادر من أنفسنا ولا يخفى على أحد ان هناك عدة أطراف إقليمية تريد عمل دويلة في غزة وهو مطلب إسرائيلي، وأن قرارات الرئيس من الصعب تطبيقها في قطاع غزة نتيجة الانقسام وكان على الفصائل أن تتحمل مسؤولية أخلاقية ومجتمعية ألا يحدث ذلك في قطاع غزة.
تقول اللوح: "إن لم نكن أصحاب قرار لن تكون هناك مصالحة، وبكل الأحوال إن لم يكن هناك خطة استراتيجية للتوافق لن يكون هناك مصالحة."
كما أكد المشاركون والمشاركات في اللقاءين الحوارين في رام الله وقطاع غزة، على أهمية المصالحة الفلسطينية ودور النساء في القيادة واتخاذ القرارات، وكذلك أهمية تنويع الاستراتيجيات والأساليب للتغلب على عوائق تحقيق المصالحة، وكذلك الخروج بمبادرات لتفعيل مشاركة النساء في العمل السياسي وتعزيز حضورهن في جلسات المصالحة الفلسطينية. ومن ضمن المبادرات التي تم ذكرها، تدريب الشباب والشابات على المشاركة والحوار والمناظرات، بالإضافة الى وجودهم/ـن في جلسات المصالحة، لكي يكون هنام تمثيل واضح لرؤية الشباب، وتشكيل لجنة شبابية أو حاضنة شبابية تابعة لمؤسسات المجتمع المدني يتم من خلالها عقد الحوارات والاجتماعات مع صناع القرار، وتشكيل منتديات تابعة لمؤسسات المجتمع المدني تترجم مطالب الشباب والشابات على أرض الواقع من خلال جلسات مساءلة و ونقاشات وحوارات فعالة.
هذا وقد تمخض عن اللقاء مجموعة من التوصيات أهمها، تعزيز الحياة الديمقراطية في المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن تكافؤ الفرص أمام الشباب والشابات للمشاركة في بناء مجتمع قائم على الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتسامح، وتوعية الشباب والشابات بأهمية ممارسة حقوقهم/ـن في الترشيح والانتخاب والمشاركة في جميع مواقع صنع القرار، و إقامة ورشات عمل للتدريب على مهارات القيادة للمشاركة الفاعلة في مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة الى وجود المناخ المناسب للمشاركة في الحياة السياسية والمدنية.
يذكر أن مشروع "النهوض بحقوق المرأة وطرح أجندتها في الأمن والسلام، من خلال تطبيق اتفاقيات إنهاء الانقسام وتوطيد السلام في فلسطين (اتفاقيات المصالحة)"، تنفذه جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بالشراكة مع شبكة كرامة الإقليمية، حيث ينفذ في فلسطين وليبيا وجنوب السودان، بتمويل من الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي عبر شبكة كرامة، ويسعى إلى المساهمة في حل النزاعات والحد منها؛ من خلال مشاركة المرأة في طرح أجندتها في السلام والأمن، وتعزيز حقوق الإنسان واحتياجات وأولويات الرجال والنساء، من منظور النوع الاجتماعي في المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح تحت الاحتلال، ومشاركة النساء والمؤسسات النسوية القاعدية بفعالية في إنهاء الانقسام والوصول إلى المصالحة الوطنية.