حملة صدى-لا تسامح مع العنف ضد الفتيات والنساء 2022

There is an attachment
attach_fileAttachment

تواجه المرأة الفلسطينية مستويات عنف واضطهاد مركبة ومتداخلة، فالمرأة الفلسطينية والتي تشكل ما نسبته 49% من مجمل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة (حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عشية يوم المرأة العالمي-2022) تتعرض للقمع والاضطهاد الممارس من قبل الاحتلال، عبر منظومة من الإجراءات القمعية والعنصرية والإحلالية التي تستهدف الوجود الفلسطيني ككل. وغني عن القول بأن الاحتلال يشكل العامل الأول والرئيس لمأسسة العنف بالاستناد لمنظومة القمع الاحتلالية وارتباطها بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والذي تشكل الثقافة الذكورية محركه الأساسي. فالاحتلال ماضٍ في انتهاكاته الممنهجة والمتصاعدة لحقوق المواطنين/ات الفلسطينيين/ات بشكل مباشر وغير مباشر. فالمرأة الفلسطينية مستهدفة مباشرة عبر القتل والاعتقال والتنكيل وبشكل غير مباشر، عبر اغتيال واعتقال أفراد العائلة وهدم المنازل والمنشآت والتشريد القسري، وغيرها من الانتهاكات اليومية التي تتناقض وأبسط القيم الإنسانية.  كما يستمر الاحتلال بمصادرة الأراضي والموارد الإنتاجية ومقدرات الشعب الفلسطيني مما يترك آثاراً سلبية على تفاصيل حياة النساء، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصادرة الأراضي، والتي تشكل مصدر دخل للعديد من النساء، خاصة في الريف، لإعالة أسرهن في ظل تفشي الفقر والبطالة في فلسطين، وفي ظل شح فرص العمل المتاحة للنساء. ولا يزال الاحتلال ماضيا في ممارساته ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، والتي ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، حسب القانون الدولي الإنساني، والصكوك والاتفاقيات الدولية. ففي منتصف هذا العام، وضمن مسلسل الجرائم الرامية إلى إسكات الصوت الفلسطيني الذي يفضح جرائم الاحتلال، ارتكب جيشه جريمة نكراء باستهدافه الصحافية شيرين أبو عاقلة، وهي ترتدي شعار الصحافة أثناء تأديتها لواجبها المهني في جنين. مما شكل انتهاكاً فاضحاً لكافة المواثيق والأعراف الدولية، وخاصة تلك التي تنظم عمل الصحافيين والصحافيات أثناء النزاعات والاستعمار، حيث استهدفت الشهيدة شيرين أمام أعين العالم وفي ظل صمت كافة المتواطئين والداعمين المباشرين وغير المباشرين للاحتلال. كما يستمر الاحتلال الصهيوني في الإجراءات القمعية والانتهاكات اليومية بحق شعبنا من مداهمات نهارية وليلية، واستمرار فرض عدوانه وحصاره على شعبنا في قطاع غزة، وتصعيده لعمليات التهويد في القدس، واستمرار الاعتقال الإداري لعدد كبير من الأسيرات والأسرى، وحرمان بقية الأسرى والأسيرات من أبسط حقوقهم/ ن الإنسانية المتمثلة بوقف إجراءات العزل والتنكيل والإهمال الطبي، والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد العديد من الأسرى والأسيرات، فلا تزال سلطات الاحتلال تعتقل 33 امرأة وقاصر فلسطينيات في السجن الذي يطلق عليه اسم سجن "الدامون" بالقرب من حيفا، من بينهم 16 أسيرة يعانين من الإهمال الطبي المتعمد بالرغم من حاجتهن الماسة للعلاج والمتابعة الطبية الفورية. وتحتجز الأسيرات الفلسطينيات، وكما هو حال بقية الاسرى، في ظروف لا إنسانية تتنافى والقواعد الدنيا التي حددتها الأمم المتحدة للتعامل مع الأشخاص المحتجزين أثناء الحرب. كذلك تتعرض الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال لعملية ممنهجة من التعذيب والانتهاكات اليومية لحقوقهن التي أقرتها المعايير الدولية تبدأ من لحظة الاعتقال وتستمر أثناء التحقيق والاحتجاز.  في هذا السياق، تواجه الأسيرات ظروفا لا إنسانية للنيل من كرامتهن البشرية تتمثل في العزل الانفرادي، الاقتحامات الليلية لغرف الاحتجاز والزنازين، وإهمال طبي متعمد.

ولا تتوقف سياسات الاحتلال عند الحد المشار إليه آنفاً، بل أطلقت حكومات الاحتلال المتعاقبة العنان لقطعان المستعمرين الإسرائيليين لشن هجماتهم الهمجية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، وقيامهم باقتلاع الأشجار وحرق المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى تدمير سبل عيش المزيد من العائلات الفلسطينية، إلى جانب مواصلة تحريضهم واعتداءاتهم الخطيرة على الأماكن المقدسة. كما تواصل حكومة الاحتلال هجماتها على مؤسسات المجتمع الأهلي الفلسطينية حيث أغلقت العديد من المؤسسات الحقوقية والمجتمعية ومؤسسات تعنى بحقوق الطفل والأسرى والأسيرات في القدس المحتلة والضفة الغربية، في محاولة لإسكات الصوت الفلسطيني الساعي لفضح انتهاكات الاحتلال وجرائمه.

لقد اشارات التقارير الأممية الصادرة في 2022 عن منظمة العفو الدولية[1] وتقرير المنسقة الخاصة بحقوق الإنسان[2] إلى هذه الانتهاكات، إلا ان المجتمع الدولي لم يحرك ساكنا لمحاسبة إسرائيل، ويمعن في استخدام المعايير المزدوجة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، رغم عالميتها، الأمر الذي يعطل الوصول للعدالة لشعبنا والتي تتمثل؛ بإنفاذ حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين واللاجئات وفق قرار الأمم المتحدة 194 وإنجاز الاستقلال والسيادة، ويضع المنطقة امام مزيد من العنف الاستعماري.

من جهة أخرى، تواجه نساء فلسطين العنف المبني على النوع الاجتماعي والمرتبط بالهندسة الاجتماعية المستندة للرؤى والمفاهيم والسلوكيات والسياسات والتشريعات الأبوية، وهذا بدوره يضيف على كاهل المرأة مسئوليات ومهام وأعباء العمل المنزلي والرعاية النفسية والاقتصادية والاجتماعية للعائلة ككل، دون منح هذا الدور قيمة اقتصادية وحماية اجتماعية، مما يعزز من استغلال المرأة، ويحد من مشاركتها في سوق العمل، سواءً الرسمي، أو غير الرسمي. فما زال العنف وبكافة أشكاله، مرتفعا في المجتمع الفلسطيني، كما أظهرت نتائج آخر مسح لمؤشرات العنف في فلسطين، والصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أواخر عام 2019.  فقد ورد في المسح المذكور، أن نسبة النساء اللواتي تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن لمرة واحدة على الأقل، وصلت إلى 29%، حيث كان أعلاها العنف النفسي، والذي طال 57% من النساء، بينما طال العنف الاقتصادي 36% ووصلت نسبة من طالهن العنف الاجتماعي إلى 27.6%، بينما تعرضت 18% من النساء للعنف الجسدي، وما نسبته 9% من النساء تعرضن للعنف الجنسي.  وسجلت المؤسسات النسوية الحقوقية ووزارة التنمية الاجتماعية ارتفاعا كبيرا في معدلات العنف ضد المرأة في فترة جائحة كوفيد، والتي أظهرت هشاشة نظم الحماية للنساء والفتيات.

بطبيعة الحال لم ينحصر العنف ضد المرأة في البيت وإنما امتد إلى الفضاءات العامة، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة قتل النساء والفتيات في السنوات الأخيرة، حيث تم رصد أكثر من مئة حالة قتل ضمن مسلسل جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي خلال السنوات الثلاث الماضية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالرغم من استمرار وتزايد حالات القتل، إلاً أنَ المجتمع الفلسطيني لا يزال يفتقر إلى رادع اجتماعي وقانوني يحد من العنف ولا يبرره. كما ويبقى الرد الرسمي تجاه هذه الجرائم البشعة يهيم في حيزٍ رماديٍ فوضويٍ يفتقر إلى أدنى مؤشرات وجود إرادة سياسية حقيقية لسن القوانين والتشريعات لحماية النساء والفتيات، كقوانين" حماية الأسرة من العنف، والأحوال الشخصية وقانون" العقوبات.، إلى جانب توطين الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي انضمت اليها دولة فلسطين، في التشريعات والقوانين المحلية.

وعلى صعيد ذي ارتباط، تتعرض النساء الفلسطينيات الى الاستغلال والاضطهاد الطبقي كونهن يشكلن جزءاً من الطبقة العاملة الكادحة. وفي ظل تمييز تاريخي وعنف مبني على النوع الاجتماعي، بسبب سيطرة البنى والمفاهيم الذكورية والموروث الثقافي الذي يعزز دونية المرأة، وفي ظل غياب أدوات الحماية الاجتماعية وأسس العمل اللائق، وفق نظام اقتصادي يعاني من تبعات الإلحاق للاقتصاد الاستعماري الصهيوني، وفي ظل علاقات اقتصادية تستند إلى مفاعيل  اقتصاد ليبرالي جديد يساهم في زيادة الإفقار وفي اتساع دوائر العوز وفي تعميق الفجوات على الصعيد الاجتماعي  والاقتصادي مما هدد، ولا يزال يهدد، السلم الأهلي ومقومات الأمن الإنساني، ويعمق دونية المرأة الفلسطينية.

 لا زالت النساء الفلسطينيات، من وجهة نظر المجتمع بشكل عام، متلقيات للسياسات ولسن شريكات وصانعات لها، وهذا يتجسد في معيقات عديدة تواجهها النساء الفلسطينيات سواء من حيث البنية التشريعية، والتي لا زالت قائمة على التمييز ضد المرأة وخاصة في قانوني الأسرة وقانون العقوبات المعمول بهما حاليا والمسنان منذ ما يزيد عن نصف قرن! كما تستثنى النساء من المشاركة السياسية على مستوى دوائر صنع القرار رغم أدوراهن المجتمعية والسياسية والنضالية الفعلية في الواقع اليومي في الحيزين الخاص والعام.  وضمن هذا السياق، تواصل المرأة الفلسطينية دورها الطليعي، كمدافعة عن الحقوق والحريات، وكمناضلة من أجل فكفكة مضامين الرواية الاستعمارية ومن أجل تطوير الأدوات النضالية الجماهيرية لنيل الحرية والمساواة والعدالة لها ولشعبها.

كما تعاني النساء من القمع السلطوي والذي طال الشابات والصحافيات والنساء اللواتي مارسن حقهن الدستوري بالتظاهر والتجمع من أجل إجراء انتخابات دورية لكافة هيئات النظام السياسي وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ولضمان آليات تمثيلية للشعب الفلسطيني للرقابة على أداء السلطة التنفيذية ولوقف الانقسام السياسي.

وفي ظل يقين جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بجدلية العلاقة بين النضال التحرري والنضال الحقوق الديمقراطي، ارتكزت حملتها هذا العام على نهج شمولي يربط بين مكونات حرية النساء في كافة الفضاءات.

وعليه، وبناءً على هذا السياق وانسجاماً مع جهود الجمعية المتراكمة على مدار الأعوام السابقة فيما يتعلق بحق النساء والفتيات بالعيش بصحة وأمن وأمان، تواصل الجمعية جهودها جنبا إلى جنب مع المؤسسات والائتلافات الحقوقية والنسوية، ضمن حملة ال 16 يوم بالضغط والمناصرة وخاصة في موضوع الحماية الاجتماعية والقانونية للنساء والفتيات من أجل صون حقوق المواطنة في الحيز العام وفي الحيز الخاص. حملة الـ ـ16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي لهذا العام، هي استمرار واستكمال لحملة صدى التي انطلقت خلال الأعوام الماضية ومطلبها الأساسي: إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، الدفاع عن الحريات، والدفاع حق الأسيرات الفلسطينيات، في سجون الاحتلال، وخاصة حقهن في الحرية.

يذكر أن جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، تنظم مع شركائها في مؤسسة وي ايفكت السويدية والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومؤسسة المرأة للمرأة السويدية ووزارة الخارجية الهولندية، خلال هذه الحملة العديد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية من بينها نشر أفلام قصيرة وأغاني ومنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتضمن رسائل توعية ومناصرة لشريحة واسعة من الجمهور والمناصرين. ستشمل الحملة أيضًا جلسات نقاش وحوارات إذاعية وتلفزيونية ومؤتمرات ولقاءات وندوات وطنية وإقليمية ووقفات بمشاركة العديد من الناشطات والناشطين والمؤثرات والمؤثرين عبر الفضائيات المحلية والإقليمية، وكذلك زيارات ميدانية ولوحات إعلانية في الشوارع ورسم جداريات تحت شعار: " لا تسامح مع العنف ضد الفتيات والنساء الفلسطينيات".

فلسطين المحتلة - 25-11-2022

 

[1] https://www.amnesty.org/ar/latest/campaigns/2022/02/israels-system-of-apartheid/

[2] https://www.ohchr.org/ar/taxonomy/term/1305