كيف تحول الألم إلى قوة: قصة امرأة نجت من العنف وسعت لتحقيق أحلامها

كيف تحول الألم إلى قوة: قصة امرأة نجت من العنف وسعت لتحقيق أحلامها

 

"بعد جلسات الإرشاد والدعم النفسي تمكنتُ من تطوير ذاتي فزادت ثقتي بنفسي وقدرتي على النقاش وابداء الرأي وتمكنت من حماية نفسي"

 

يما هو اسم مستعار استخدم للحفاظ على الخصوصية، وهذه القصة صيغت جزئيا بضمير المتكلم بهدف ايصال المشاعر والأفكار

 

كانون أول 2020- في الكثير من الأحيان يلجأ ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي إلى الصمت ويصعب الكشف عن حالات العنف خلف الأبواب المغلقة.. قبل عام بدأ وباء كورونا بالانتشار في العالم ووصل إلى فلسطين في شهر آذار 2020؛ ومنذ ذلك الحين، أظهرت التقارير أن العنف الأسري في تزايد، فقد فقدت حوالي 32 امرأة وشابة أرواحهن نتيجة للتمييز وانعدام الحماية الاجتماعية والقانونية.

"انا بدي أكمل دراستي ما بدي اتجوز صغيرة"

شعرتُ بالتوتر والخوف والمزاجية المستمرة، وفي بعض الأحيان لم أتمكن من مواجهة أي شخص. لجأت للصمت ولم أكن أعبر عن الحزن الداخلي الذي ينتابني. أصابني الأرق ولم أكن أشعر بالأمان وأُحبطت من أهلي وزاد خوفي من والدي. ومع انتشار وباء كورونا ابتعدت عن الناس وأيضا عن خطيبي الذي لم أكن أرغب بالارتباط به. تجنبتُ الاختلاط بالعائلة ومشاركتها بأية تفاصيل أعيشها، ومع ازدياد الصراعات داخل الأسرة زادت حدة العنف النفسي والجسدي الواقع علي وتعرضتُ للضرب والإهانة والذل؛ وفقدتُ قدرتي على التواصل بطريقة إيجابية.

أنا اسمي ريما، صبية فلسطينية لم أتجاوز التسعة عشر عاما من العمر. كنت أستعد لتقديم الامتحانات بشكل جيد بهدف استكمال دراستي في الجامعة وأحاول قضاء وقتي بين الدراسة وعمل بعض المهارات في البيت حتى أفرغ عن نفسي، لكني أجبرت على خطوبة لم أخترها. ورغم الصعوبات التي واجهتها داخل البيت كنت أمارس بعض الانشطة مع الاخوات وأعمل على بناء علاقة قوية معهن.

اللجوء للإرشاد والدعم النفسي

مع استمرار العنف الجسدي والنفسي، لجأت ريما للإخصائية في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية للتعبير عن الضغوطات النفسية والاكتئاب الناتج عن علاقتها مع الاسرة من خلال جلسات الدعم النفسي الاجتماعي عبر الخط المساعد. فقد كانت ريما تعاني من علاقتها مع خطبيها وترغب بالانفصال عنه، وتعرضت للعنف من الاب نتيجة رفضها للخطبة. ولم يقبل الاب النقاش معها مما زاد من حدة المشاكل مع عائلتها ومع خطيبها ايضا.

سعت ريما لإيجاد طرق لحماية نفسها واستثمار وقت فراغها في الدارسة. ومن خلال جلسات الدعم النفسي الاجتماعي المقدمة من الجمعية استطاعت دعم نفسها عبر عدة أنشطة وفعاليات ومن خلال مقاطع مصورة أوصت بها الاخصائية حول موضوع تطوير الذات وزيادة الثقة بالنفس والقوة. وعملت الاخصائية مع ريما على تطوير خطة دعم ذاتي لتمكينها من التخفيف من حدة ردود الافعال في التعامل مع نفسها او المحيطين بها من الاب والام والاخوة في البيت.

آليات التدخل المهني

في بداية الجلسات تم الاتفاق على السرية والخصوصية، وتوضيح آليات التدخل المهنية التي تمثلت في التواصل عبر الارشاد الهاتفي. وأوضحت الاخصائية أهمية التعاون والدعم الذاتي من خلال اتباع الخطوات التي تساعد ريما على التقليل من آثار الحدث الذي تعيشه. وقد شمل التدخل مع ريما عدة آليات منها؛ اعطائها مساحة للتفريغ والاستماع للكبت والضغط الذي تعاني منه وارشادها لطرق لتخفيف التوتر. يضاف لذلك، التركيز على الدراسة ومرحلة التوجيهي من اجل التفوق بهذه المرحلة، والتعرف أكثر على حقوقها في اختيار ما تريد من اجل أن تستمر في حياتها بشكل آمن. وركزت الاخصائية أيضا على طرق حماية النفس من العنف الجسدي من قبل الاب وايجاد الطرق والبدائل لتوقفه عبر نقاش رغبتها في اختيار شريك حياتها المستقبلي. وقد تواصلت الاخصائية مع ريما من خلال عمل بعض الانشطة وارسال الفيديوهات العلمية التي تساعدها أكثر في تحفيز جانب القوة الايجابية، والسيطرة على وضعها بطريقة مناسبة لها وبناء على الجو المناسب. كما تم إرشادها إلى الخدمات القانونية التي يمكن أن تلجأ إليها للمزيد من الدعم عبر جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية ومن خلال نظام التحويل الوطني أيضا.

من الألم إلى القوة

بعد جلسات الإرشاد والدعم النفسي تمكنتُ من تطوير ذاتي فزادت ثقتي بنفسي وقدرتي على النقاش وابداء الرأي خاصة في مسألة الارتباط وتمكنت من حماية نفسي. أصبحت أتعامل بإيجابية مع نفسي ومع المواقف التي تحدث معي، وأخذت أواجه هذه المواقف واتجنب العزلة والابتعاد عن الناس. كما عملت على الحد من ردود الافعال السلبية التي كانت تأثر علي. وعلى المستوى العائلة والاصدقاء، أصبحت أكثر تقربا من الاسرة وشعرت بالراحة في علاقتي مع أسرتي خصوصا بعد الموافقة على الطلاق من خطيبي وذلك بعد عدة محاولات لاقناع عائلتي بحقي في اختيار شريك حياتي واستكمال مسيرتي في التعليم. أنا تعرفت على الخدمات النفسية والقانونية المتوفرة واستفدت منها وتمكنت من دعم نفسي وتوصلت إلى القرار المناسب والطرق الفعالة من اجل اخذ حقي في الطلاق واختيار شريك الحياة واستكمال دراستي كما أرغب.

قدمت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية منذ بداية حالة الطوارئ في آذار وحتى تشرين ثاني 2020 خدمات الإرشاد الهاتفي لما مجموعه أكثر من 3070   حالة؛ بما في ذلك نساء مثل ريما ووفرت لهن الدعم للخروج من دائرة العنف. وقد تمكنت بعض من هذه النساء وأصبحن قادرات على الدفاع عن حقوقهن وتقديم المطالب على المستوى السياساتي. ومن خلال برنامج حياة المشترك عقدت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية حوارا سياساتيا بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين للمرأة في كانون أول 2020. وقدمت فيه النساء مواقفهن من العنف الأسري وطالبن صناع القرار بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف عبر مرسوم رئاسي؛ قائلات "لا تسامح مع العنف ضد النساء والفتيات".

تنشر هذه القصة من حملة ال16 يوم لمناهضة العنف ضد المبني على النوع الاجتماعي من قبل جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بالشركة مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة(UN Women)  من ضمن برنامج حياة المشترك. برنامج حياة المشترك يسعى إلى القضاء على العنف ضد المرأة في الضفة الغربية وقطاع غزة ممول من حكومة كندا، ويتم تنفيذه بشكل مشترك من هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة(UN Women) ، صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، برنامج  الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة   (UNODC)  بالشراكة مع وزارتي شؤون المرأة والتنمية الاجتماعية إلى جانب عدد من الوزارات المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني.