المرأة والشباب في المشاركة السياسية...واقع وآفاق

لعب الشباب والنساء أدوارا مختلفة ومميزة عبر التاريخ الفلسطيني الحديث سواء كان ذلك من خلال المساهمة الكبرى في العملية الاقتصادية وتوفير الغذاء، او من خلال مقارعة الاحتلالات المتعاقبة، وأيضا من خلال بناء المؤسسات التي تقدم الخدمات لتعزيز صمود المواطنين. فعلى المستوى الاقتصادي كان للنساء الدور الأكبر في هذه العملية حيث وقع على عاتقها تاريخيا العمل المنزلي اليومي والعمل في الحقل شبه اليومي الغير مدفوعي الأجر واللذان لا يدخلان في معايير احتساب ناتج الدخل القومي رغم اهميتهما في رفد العائلة بالمردود الاقتصاي بالاضافة لخروجها لسوق العمل رغم قلة فرص التشغيل مما ساهم في تعزيز دورها التنموي. ورغم ان الشباب والنساء أصحاب الأرض الحقيقيين وفالحيها، وهم عمال وعاملات المصنع وموظفي وموظفات المؤسسات، وكلاهما كان له مساهمة هامة في العملية الفكرية والثقافية والحفاظ على الإرث الثقافي الفلسطيني الذي عمل المحتلين على طمسه ابتداء بالاحتلال التركي العثماني مرورا بالانجليزي وانتهاء بالصهيوني، الا انه تم اقصائهما تاريخيا عن صناعة القرار.

لقد كان للدور الذي لعبه الشباب في العملية الإنتاجية وتوفير الغذاء ومقاومة الأعداء دورا وموقعا متميزا ومرموقا في المؤسسات النضالية والسياسية عبر التاريخ الفلسطيني، وهناك شواهد ومؤشرات شبابية عديدة، ومنها مثلا ان المناضل الشيخ عز الدين القسام كان قائدا ثوريا في حزبالدستور الفلسطيني وهو في الثلاثينات من عمرة واستشهد وعمره 52 عاما، شهداء ثورة البراق التي اندلعت عام 1929، حيث تم اعدام قادتها الثلاث وهم فؤاد حجازي وكان عمره 26 عاما، والشهيد محمد جمجوم 28 عاما، والشهيد عطا الله الزير وكان عمره 35 عاما. اما القائد المقدسي الكبير عبد القادر الحسيني الذي قاد المجموعات المسلحة وهو في العشرينات من العمر واستشهد في معركة القسطل وهو في الأربعين من عمره. ومفتي القدس مؤسس ورئيس اللجنة العربية العليا، فقد ترأس هذه اللجنة التي كانت بمثابة منظمة التحرير الفلسطينية ابان ثورة 1936-1939 وهو في الثلاثينات من عمره. وكذلك المرحوم الشهيد ياسر عرفات، وهو من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، وكان عمره آنذاك 36 عاما.

اما المناضلة القائدة الشهيدة رجاء أبو عماشة، والتي قادت المظاهرات عام 1955 ضد حلف بغداد وتم اعدامها قتلها في نفس العام وهي في السابعة عشر من عمرها. ولا ننسى الشهيدة لينا النابلسي التي قادت المظاهرات ضد الاحتلال الصهيوني في مدينة نابلس وتم قتلها وهي في السابعة عشر من عمرها.

اما على مستوى بناء المؤسسات، فهناك جمعية الاتحاد النسائي العربي الذي تم تأسيسها في نابلس عام 1921 من قبل مجموعة من الشابات الفلسطينيات بهدف تقديم العون للمحتاجين وبداية تأسيس المجتمع المدني الفلسطيني لتدعيم صمود شعبنا ابان الانتداب البريطاني. وبعد ذلك شاركت المرأة الفلسطينية في كافة نضالات الشعب الفلسطيني، حيث الخروج مع الثوار الى الميدان لمواجهة الأعداء الذي زجوا بها في المعتقلات.

وفي هذا الصدد فأن السلطة الفلسطينية  لم تراعي أهمية مشاركة الشباب في العمل السياسي ولم تفتح لهم الأبواب في مواقع صناعة القرار، بل تم الاكتفاء بتنصيب القيادات التاريخية خاصة التي عادت للوطن من المنفى عام 1994 بعد تأسيس السلطة الفلسطينية،اما قيادة الانتفاضة الأولى فقد استبعدت جانبا، ولان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن معنية بدور سياسي لقادة الانتفاضة الأولى، وفي اول انتخابات للمجلس التشريعي تم تحديد سن الترشح للانتخابات ب 30 عاما، وهذا القانون حد واستبعد وهمش عددا كبيرا من قيادات الانتفاضة الأولى الذين كان لهم/ن وزنا سياسيا واجتماعيا لدى الناخبين الفلسطينيين، الا انهم لم يترشحوا لتلك الانتخابات، وعملوا بالأساس كمراقبين لحماية العملية الانتخابية.

ومع مرور الوقت، ومع تراجع العملية الديمقراطية وحصر المشاركة في صناعة القرارات بالمجموعات والقيادات البروقراطية، تم تأجيل الانتخابات النيابية التي كان من المفترض ان تعقد عام 1999 الى عام 2006، وفي هذا العام تم تشكيل الكتل الانتخابية من قبل نفس القيادات التقليدية، واستبعاد الدماء الجديدة بالرغم من تخفيض سن الترشح الى 28 عاما مما أدى الى قتل المشاركة الديمقراطية الشبابية ليس فقط في العمل السياسي والديمقراطي، بل أيضا في عمليات صناعة القرارات.

ان ما نشهده اليوم من غياب للمشاركة الشبابية والنسوية يعود عمليا الى الاعتداءات على الإنجازات الديمقراطية التي حققها شعبنا الفلسطيني خلال تاريخه الحديث، حيث تقتصر الان عمليات صناعة القرارات بيد عدد من القيادات التي لا يزيد عددها عن عدد أصابع اليد. لم تقتصر العملية في استبعاد الشباب والنساء من المشاركة السياسية لدى السلطة الفلسطينية، بل انتقل هذا النهج للأحزاب السياسية التي تعمل دون قانون، وأصبحت أنظمتها الداخلية تصاغ من قبل قياداتها التقليدية الكلاسيكية مما أدى الى بناء حصون وقلاع حول هذه القيادات، وكان وما زال من الصعب على الشباب اختراقها، ورغم محاولات الاحزاب المتكررة لأدراج قضايا النساء والشباب ضمن برامجها الحزبية، الا انها تتناقض في غالبيتها في التطبيقات العملية مما ادى الى تواجد الشباب والنساء في هيئاتها القيادية بشكل خجول.

 

السياسات الفلسطينية المتعلقة بالشباب والمرأة على المستويين الحكومي والحزبي،

والإجراءات التي تم اتخاذها بهذا الشأن

 

حقيقة هناك غياب للسياسات الواعدة الحقيقية للحكومة وللاحزاب السياسية للارتقاء بالدور السياسي للشباب والنساء.  قد تكون التوجهات الحكومية بهذا الشأن أكثر وضوحا بالنسبة للنساء، حيث استمرت في تهميش المرأة ودورها السياسي وانتقصت دوما من حقوقها كمواطنة، وهذا ظهر جليا منذ عام 2003 عندما وافقت الأحزاب السياسية كافة على الكوتا النسائية بنسبة 30% في المجلس التشريعي التي تم العمل عليها من قبل الفريق الوطني لغيير قانون الانتخابات الفلسطيني السابق، إلا انهم جميعا حكومة واحزابا لم يلتزموا بهذه النسبة في الانتخابات التشريعية عام 2006. وهناك أيضا عدم التزام من قبل المجتمع السياسي ممثلا بالسلطة الفلسطينية والأحزاب السياسية بما تم اقراره بما نسبته 30% للنساء في كافة الهيئات من قبل المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 2015 وما تم التأكيد عليه في اجتماع المجلس الوطني في العام 2018، ومع ذلك لم يلتزم أي من الأطراف في هذه القرارات التي جاءت لتعزيز دور المرأة السياسي، يضاف الى ذلك عدم قيام جهات صنع القرار بالايفاء بالتزاماتها بعد الانضمام لعدد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تتطلب تحقيق المساواة.

 

اما فيما يتعلق بقطاع الشباب عامة، فبالرغم من اعتراف الحكومة الفلسطينية بدور الشباب المجتمعي الطوعي كما جاء في الخطة الوطنية للتنمية 2021-2023/ الاستراتيجية القطاعية الشبابية صفحة 43، حيث تم تدوين ما يلي: " وعلــى الرغــم مــن أهميــة فئــة الشــباب، ودورهــا فــي المســاهمة بالتغييــر المجتمعــي، ومسـاهماتها القيمـة فـي العمـل التطوعـي، يلحـظ أن الشـباب الفلسـطيني مـا زال يعانـي مـن ضعـف المشـاركة المجتمعيـة بصفـة عامـة، فـدور الشـباب أصبـح أكثـر انحسـاراً ليقتصـر علــى المســاهمة بتنفيــذ الحملات المجتمعيــة، وأنشــطة العمــل التطوعــي، وغيرهــا مــن الحمـلات؛ فالمسـاحة المخصصـة للمشـاركة السياسـية للشـباب تعتبـر محـدودة، وتقتصــر فــي الكثيــر مــن الحــالات علــى مجالــس الطلبــة فــي الجامعــات، والتــي هــي عبــارة عــن امتــداد للاحــزاب السياســية الوطنيــة، وغالبــا مــا تكــون أرضيــة لاســتمالة السياســيين ً مسـتقبلا".

 

"ان عدم اهتمام الأحزاب السياسية بالدور الطليعي السياسي للشباب أدى الى فقدان ثقة الشباب بالاحزاب السياسية وقياداتها، وعزوف الشباب عن العمل السياسي" (الناشط محمد نيرب). وفي استطلاع اجراه مركز اوراد أشار الى ان ما نسبته 13% فقط من الشباب من عمر 18 الى 25 بأنهم منضمون للأحزاب السياسية. (الخطة الوطنية-نفس المصدر السابق-صفحة 44).

 

ان غياب الاهتمام بالقطاع الشبابي له تداعيات كارثية وعلى رأسها الهجرة خارج الوطن، فقد كانت النسبة المرتفعة لاسباب الهجرة من الوطن تتمثل في عدم تحسين مستوى المعيشة للحصول على فرصة عمل للشباب، وكذلك التعليم والتدريب-صفحة 47. ان دل هذا على شيء فهو يدل على غياب الاهتمام بالقطاع الشبابي الفلسطيني، وعدم الاهتمام في إيجاد فرص العمل للخريجين، يضاف الى ذلك تراجع مستوى التعليم في المدارس وفي الجامعات أيضا، لذلك هناك نسبة كبيرة جدا من الشباب تصل الى 12.5% يهاجرون للحصول على العلم والتدريب. ويؤكد ذلك أحدث الاحصائيات الصادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني التي تظهر ان نسبة الشباب من سن 15 لغاية 29 عاما ممن يفكرون بالهجرة تصل الى 23.5%. (تقرير جهاز الإحصاء الفلسطيني-آب،2021). 

السؤال الان: هل السلطة الفلسطينية مهتمة وملتزمة بتفعيل دور الشباب السياسي؟ مراجعة بسيطة للخطة الاستراتيجية 2021-2023 الصادرة عن الحكومة الفلسطينية وخاصة الأجزاء المتعلقة بالتعليم والتدريب والدور السياسي يستنتج المرء ان الخطة الاستراتيجية لا تطرح الحلول الناجعة التي ترتقي بوضع القطاع الشبابي التعليمي والسياسي الى المستوى المطلوب، لا سيما وان الحديث مبالغ به في مجال الرياضة والعمل التطوعي، إلا ان الحديث عن الدور السياسي للشباب فقد جاء خجولا دون أية موازنات.

ومن جهة اخرى فان النظرة المتفحصة ايضالديموغرافيا المجتمع الفلسطيني تشير بان مجتمعنا الفلسطيني هو مجتمع فتي، فنسبة من هم من سن صفر الى سن 14 عاما تصل الى 39.4%، ونسبة من هم من سن 15 الى 29 عاما تصل الى 30.6%. اما الفئة العمرية ما بين 30 عاما الى 59 عاما فهي 25%، وأخيرا لمن هم فوق سن ال 60 تصل نسبتهم الى 5% فقط. وهذا يعني اناغلبية القيادات وصانعي القرارات في فلسطين هم من الفئة العمرية الاخيرة. 

ورغم ان فلسطين وقعت على اثر قبولها كعضو مراقب في هيئة الامم المتحدة على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تنص على مبادئ العدالة والمساواة، واهمها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في العام 1948، والعهدين الدوليين للحقوق الصادرين في العام 1966، واتفاقية سيداو الصادرة في العام 1079، إضافة الى القرار الاممي 1325 وغيرها من الاتفاقيات، الا انها لم تفي بالتزاماتها المترتبة على هذا الانضمام ولم تقم بالخطوات اللازمة لتحقيق العدالة والمساواة مما يؤكد ان الانضمام لهذه الاتفاقيات كان سياسيا بالدرجة الاولى، كما ان عدم الايفاء بهذه الالتزامات يعكس ضعف الارادة السياسية لدى صانع القرار الفلسطيني اتجاه النهوض بواقع النساء والشباب. 

فالتوقيع على هذه الاتفاقيات والالتزام بالقانون الاساسي الفلسطيني مهم، لكن الالتزام بالتطبيق أهم حتى لا يبقى واقع الشباب والنساء دون المستوى المطلوب، وحتى لا يبقى واقعا مأساويا بعيدا عن الدور الطليعي في كافة المجالات، وهذا بحاجة الى خطط وطنية وموازنات ومشاريع ضخمة يشارك الشباب والنساء في صياغتها وتنفيذها كونها تشكل المدخل الرئيسي للخروج من دائرة التهميش والاقصاء.

 

واقع وطموح الشباب الفلسطيني والفرص المتاحة

 

خلال الجلسة البؤرية الثانية التي عقدت بتاريخ 27 تشرين الاول مع مجموعة شبابية لمعرفة ما يعتقده الشباب بماهية واقعهم/ن وطموحاتهم/ن في مجال المشاركة السياسية، اكدت الأغلبية من الشباب بانهم/ن مهمشون، حيث عدم ايلائهم أي اهتمام من قبل صانعي القرارات،ويتم تهميشهم من قبل السياسيين في السلطة الفلسطينية والأحزاب السياسية كافة، وتحدثوا بألم عن عدم الالتزام بالانتخابات الدورية، وعدم الاستجابة لمطلب الشباب بتخفيض سن الترشح لكل من الانتخابات البرلمانية والمحلية، وأن الأحزاب السياسية تخذلهم باستمرار كونها لا تأخذ تطلعاتهم بعين الاعتبار، وتقتصر ادوارهم  بالغالب على الأعمال الميدانية الموسمية التي تخدم القيادة الكلاسيكية للأحزاب السياسية.

اشتكى الشباب من قيادة الأحزاب السياسية المسيطرة عليها حتى بعد عمليات التغييرالتي طرأت على هذه الأحزاب، "حيث كانت في الخنادق وانتقلت للعمل السياسي"، كما قال أحد الشباب المشاركين باللقاء الذي تحدث ايضا عن ان قيادة الأحزاب التي كانت في قمة الهرم اثناء عمليات التحرر الوطني هم أنفسهم بقوا في مواقعهم بعد الانتقال للسلطة والحكم. وتحدث مشارك اخر عن حركة فتح الثورة، حركة فتح الديمقراطية، حركة فتح التي لم تعرف يوما الفردية بل القيادة الجماعية التي كانت قياداتها تختلف، تناقش ومن ثم تقرر، وذلك بالممارسة العملية للحريات وعلى رأسها حرية الراي كانت تتوحد عند الهم الوطني. اما الان وفي ظل الأوضاع الحالية فقد عبر هذا المشارك عن حزنه لما آلت اليه الأوضاع الفلسطينية من تحكم السلطة ومن الفساد، ومن عمليات الجمود الذي يتحمل مسؤوليتها كافة مستويات صنع القرار التي لا تريد التغيير.

 

كما تحدثت شابة اخرى عن فقدان الثقة بالقيادة السياسية، وتحدثت عن وجود الشباب في الأحزاب السياسية، إلا ان هؤلاء الشباب ليسوا في مواقع عليا في احزابهم، ومن الصعب لهم تبوأ مناصب عليا لغياب الانتخابات الحزبية الدورية والانتخابات البرلمانية العامة. كما أشار شاب آخر انهلم يرى أي مؤشرات لاي عملية اصلاح سياسية او حزبية جراء فقدان الثقة بالقيادة السياسية، فهو يطالب بالتغيير الجذري لان الحال الذي وصلنا له من فساد وعشائرية وقبلية انتقلت للأحزاب السياسية، حيث أغلقت الأبواب امام مشاركة الشباب.

 

واسترجع شاب آخر الامر لبداية ستينيات القرن الماضي، وقال ان المرحوم ياسر عرفات ورفاقه كانوا يعيشون نفس أوضاع الشباب اليوم جراء هيمنة القيادة السابقة، الا ان عرفات وباقي المناضلين الشباب آنذاك تحدوا القيادة، وفرضوا أنفسهم وبرامجهم وشخوصهم، وباشروا بصناعة مرحلة جديدة في بناء منظمة التحرير الفلسطينية. وبناء على ما تقدم طالب هذا الناشط بعدم الانتظار، بل طالب بضرورة خلق منصة جديدة للعمل السياسي الشبابي، من خلال المطالبة بقانون الأحزاب السياسية وانشاء احزاب السياسية جديدة.

فيما يتعلق بالفرص تحدث أحد الناشطين المشاركين باللقاء  قائلا: " للأسف فأن الفرص لا تعطى الا بتدخل الهي  في حالة وفاة احدهم ، فالقيادات هم من كبار السن، وحان الوقت للتجديد"،واستطرد قائلا:"لا بد من مراجعة شاملة ترتكز على استراتيجية واضحة تتمثل بانهاء الاحتلال وتعزيز العملية الديمقراطية وخلق التنمية الحقيقية"، وشاب أخر  استعرض في مجمل حديثة حول التغيير ثلاث مقومات للعمل السياسي الذي يسترجع الهيبة لهذا العمل، وهي الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي، والمقاطعة الحقيقية للمنتجات الإسرائيلية، ومقاومة الاحتلال، وهذه ساحات ثلاث على الشباب الاستثمار والتقدم والنشاط فيها لاثبات انفسهم والوصول الى أهدافهم. وأضافت احدى الناشطات قائلة: "نحن بحاجة لاجندة خاصة للشباب تابعة للمجتمع المدني تتمثل بإيجاد مجالس شبابية منتخبة، وبناء المؤسسات الشبابية". اما ناشط أخر فقال: "طبيعة نظامنا السياسي يعيق العملية الديمقراطية، فلا رجاء لعملية ديمقراطية في ظل الهيمنة السياسية الحالية"، وأضاف قائلا: "اوضاعنا صعبة لأننا حقيقة نعيش في ظل احتلال صهيوني، وفي ظل نظام فلسطيني رأسمالي دمر اقتصادنا وهجر شبابنا من الوطن".

 

وحول السؤال المطروح عن انتقال الشباب لمرحلة يكون لهم دورا فاعلا في المجتمع، يرى أحد الناشطين المشاركين باللقاء ان هناك أهمية بمكان لاعادة تعريف النظام السياسي الفلسطيني، فهل نحن دولة ام حركة تحرر وطني؟، نحن بحاجة الى رؤيا جديدة، ولا بد من إعادة النظر في القيادة السياسية والحزبية الحالية لانها اثبتت فشلها في عدم تحقيق أي من الأهداف التي عملت من اجلها. اما ناشط آخر فقد لخص الامر بالقول: "لا يمكن ان نتحدث عن تنمية في ظل الفكر الليبرلي السائد، وفي ظل السياسات الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية". وللاجابة على السؤال المطروح حول فرصة الشباب في الانتخابات المحلية القادمة في 11 كانون الأول من العام 2021 قال أحد الناشطين: "توقفت عجلة الديمقراطية، والهيئات المحلية ليست طموحا للشباب".

 

نستنتج من التصريح الوارد على لسان أحد الشباب الناشطين ان هناك شك لدى فئة واسعة من الشباب في أهمية عقد انتخابات الهيئات المحلية، واهمية العمل من خلالها لتعزيز ودعم صمود المواطنين من خلال تقديم الخدمات النوعية التي تضمن تحقيق كرامة المواطنين، وهم ليسوا على وعي بأهمية هذه الهيئات باعتبارها مدارس للديمقراطية التشاركية، وللعمل السياسي، وهي بوابات واسعة لايصال الشباب للبرلمان، وخدمة الشعب من هناك. جاء هذا الاستنتاج من خلال الإجابة عن السؤال المتعلق بالفرص المتاحة امام الشباب لاستغلالها، حيث لم يتم التطرق للانتخابات المحلية التي ستجرى في شهر كانون الأول من العام 2021. لقد حاول ميسر الجلسة ان يتحدث عن أهمية هذه الانتخابات الا ان المشاركين في الجلستين البؤريتين الأولى والثانية لم يتوصلوا الى ان الهيئات المحلية وانتخاباتها هي احد اهم الفرص الواجب الاستثمار فيها واستغلالها في الوقت الحالي، حيث عبر احد المشاركين بان الهيئات المحلية ليست هي طموح الشباب، فالشباب يطمح للوصول للبرلمان.

 

الحلول أو الخطوات المقترحة

لقد تبين من خلال مراجعة الادبيات السياسية الفلسطينية، ومن خلال المشاهدات اليومية، ومن خلال المدخلات التي تقدم بها الشباب والشابات في المجموعات البؤرية ان هناك تأكيد من قبل الجميع على ان هناك غياب وتغييب لدور الشباب في المشاركة السياسية، فهم/ن مستبعدون، ومهمشون، ويتم اقصائهم/ن من قبل المجتمع السياسي الحكومي والحزبي معا. ان حديث الشباب بشفافية وبحرقة على واقعهم/ن المأساوي كمفعولا به ليس قدرا، بل هو صناعة السياسيين التقليديين، وممن يدعون التقدمية أيضا، وهذا مؤشر قوي على قدرة الشباب على فعل الكثير من اجل تغيير هذا الواقع الذي صنعته مجموعة من المستفيدين والمتنفذين في صناعة القرارات والسياسات الفلسطينية.

 

ان عدم حل المشكلة يؤدي الى عدد كبير من التداعيات التي عمليا ستخلق فراغا سيستغله الاحتلال والقوى المتطرفة والأخرى الرجعية، وأول هذه التداعيات يتمثل بهجرة الشباب من الوطن للبحث عن اوطان أخرى، وثاني هذه النتائج تتمثل باعتماد الشباب في حياتهم اليومية على اهاليهم وعلى عائلاتهم الممتدة، وهذا بحد ذاته يبعدنا عن أي ثورة ديمقراطية شبابية كما حصل في ربيع براغ عام 1968، فالاتكالية على الاخر توفر الحد الأدنى من المعيشة والحياة بعيدا عن أي طموحات، ويؤدي ذلك الى خنوع الشباب للزعامة العشائرية التقليدية، وسيكتسبون رضى هذه الزعامة في حال تمسكوا بالقيم البطريركية والاقطاعية، وسيجدون انفسهم نسخة طبق الأصل عن القيادة السياسية الحالية، وسيقومون بعد وصولهم الى ما بعد الخمسين بالتمسك بادوات القيادة التقليدية وسيحاربون الأجيال الجديدة كما يُحاربون الان من قبل السياسيين وأصحاب القرار.

 

ان استمرار هذه المشكلة يؤدي الى كوارث اجتماعية ومجتمعية والتي عنوانها الزواج المبكر للطرفان، وطبيعي ان تكون النساء أولى الضحايا، حيث سيتم حشر المرأة في البيت لانها غير منتجة، وزوجها نصف منتج أيضا، وكلاهما يعتمدان ويمارسان ثقافة واليات الاقتصاد المنزلي والعائلي الذي يبعدهم عن أي عمل سياسي، او أي نشاط يدعم أي عملية للتغيير المجتمعي. ناهيك عن المسلكيات المعيبة التي سيقوم بها الشباب كالسرقة والتجارة بالممنوعات والاعتداء على الحريات، والاعتداء على الاخر، والأخر هنا هو المرأة.

 

الأهم مما ذكر هو كيف للشباب ان يواجهوا المشكلة؟ وهذه إشكالية لها فلسفتها ولها استراتيجياتها واليات عملها لان التاريخ العربي عامة والفلسطيني بشكل خاص اعتاد على مواجهة نتائج المشكلة وليس مواجهة أسبابها، وهذا حقيقة لها أسباب ارثية ودينية وتربوية، فالمعروف مجتمعيا ان حل مشكلة الفقر تأتي من خلال مساعدة الفقراء واليتامى بالمال وبالاكل وبالملابس المستعملة، وليس من خلال محاربة رأس المال والعلاقات الاقتصادية التقليدية. ومعروف أيضا ان حل مشكلة السرقة تتم من خلال ملاحقة اللصوص، وليس معرفة أسباب السرقة، وليس بتعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة. وكذلك نقوم بحل المشاكل البيئية من خلال عمليات تنظيف الشوارع والعمل التطوعي، وليس من خلال الوعي والتثقيف والتربية وفرض القوانين الصارمة.

 

يمكن تلخيص الأسباب الحقيقية لتهميش دور الشباب في المشاركة السياسية وصناعة القرارات:

 

أولا: الأسباب الموضوعية المجتمعية

وهذا يتعلق بطبيعة التربية البيتية والمدرسية والخوف والتخوف من العمل السياسي، حيث غياب العمل السياسي والحزبي من المناهج المدرسية، وإن وجد القليل منها فهي تتحدث عن عمليات التوريث، وغياب أي إرث للتخلي طوعا عن السلطة، بل تعلمنا من المناهج ان نهاية الخليفة او الرئيس إما القتل او الموت الطبيعي، وليس الفشل في الانتخابات. يضاف الى هذا ما تعلمناه عن أسلوب البيعة والخلافة، وليس صدفة اننا في فلسطين وخلال كل منعطف فيه تراجعا سياسا تقوم مؤسسة الرئاسة بإجراء البيعة الميدانية للرئيس.

 

ولأن فلسطين وقعت تحت احتلالات متعاقبة، ولان الدول المحتلة كانت تهدف فقط لسرقة الثروة، ولم يكن ضمن أولوياتها حماية السكان وفرض القانون، فقد كان البديل المتمثل بالحماية العشائرية التي أصبح الولاء لها وليس للوطن لانها توفر الحماية والامن والدعم لافرادها. فالشباب في ظل تراجع سيادة القانون، وفي ظل عدم توفير العمل والامن والأمان من قبل الدولة اتجهوا للانضمام وللولاء للعشيرة لأنها تصبح باعتقادهم أجدر بالخدمة من الأحزاب السياسية. ويلاحظ بان هناك ارتياح لاعضاء العشائر من الشباب لان العشيرة عمليا تتحالف مع رؤوس الأموال والاسلام السياسي، وهؤلاء هم من يقوم بعمليات الدعم المدفوع والحماية المجتمعية، فيجدون للقاتل على خلفية الشرف مبررا دينيا، والعشيرة تدفع ثمن المقتول لحماية القاتل بصفته عضوا في العشيرة، والقانون المدني يصادر خلال العطوة التي عادة تحكم لصالح الأكثرغنى، وللذي له عشيرة باعداد واسلحة كثيرة.

 

ثانيا: الأسباب الموضوعية الاقتصادية

لقد شكل النظام الاقتصادي الفلسطيني الرأسمالي عاملا مهما في ابعاد الشباب عن العمل السياسي، فالشباب الفلسطيني إما فقيرا عاطلا عن العمل، وإما عاملا او موظفا مديونا، وبالتالي الانتماء الحزبي او الانضمام للحزب السياسي لا تقع ضمن أولوياته وهمومه، فجشع راس المال الذي يستثمر فقط 25% من أمواله في الوطن، و75% خارج الوطن خاصة في الأردن ولبنان ومصر والخليج وبعض الدول الافريقية مما خلق البطالة، وبالتالي الفقر في صفوف الشباب، واستغلال العاملين في الشركات الخاصة والوظائف الحكومية، حيث الرواتب المحدودة التي لا تفي بالحياة الكريمة، علاوة على تقييدهم بالديون للبنوك والشركات الخاصة.

 

ثالثا: غياب الوعي بالديمقراطية في المجتمع الفلسطيني:

غياب المعرفة والالتزام والممارسة العملية بمباديء الديمقراطيات الثلاث الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية التشاركية على المستوى الوطني والحزبي والمؤسساتي أيضا. وحقيقة هناك تشوش في فهمنا للديمقراطية، فهناك من يطالب بالديمقراطية دون المساواة ودون العدالة الاجتماعية، وهناك من يريد ديمقراطية وفصل بين السلطات الثلاث ويرفض الدولة العلمانية، ويريد ديمقراطية ويعارض الارتقاء بالتشريعات الفلسطينية الى سقف الاتفاقيات الدولية التي تتحدث عن علمانية الدولة وانهاء كافة أنواع التمييز ضد المرأة.

رابعا: غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية

عملت احزابنا السياسية منذ ثلاثينات القرن الماضي بشكل سري، وأحيانا بشكل سري للغاية، وقد القى العمل السري بظلاله على الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية التي تم استبدالها بالمركزية التشاورية مما كان لذلك اثرا في تعيين وترفيع الموالاة للقيادة الى المستويات العليا وتهميش من له وجهة نظر مختلفة. وبالرغم من مبررات غياب الديمقراطية في العمل السياسي السري، إلا ان نفس الأسلوب يمارس الان في القرن الواحد والعشرين من قبل نفس القيادات التي مارست العمل السري في ستينات وسبعينات وثمانينيات القرن الماضي، والتي لم تتنحى جانبا في ظل العمل السياسي العلني لان العمل السياسي العلني له اصوله والياته وادواته التي تختلف كليا عن اليات وأدوات العمل السري. والشيء الآخر ان هذه القيادات كانت تعمل ابان المد الثوري في الميدان الكفاحي وليس في الميدان السياسي، وبعد الانتقال من الثورة للدولة جاءت نفس القيادات واستولت على الأدوار كافة، والاغلبية منها لم تعتبر نموذجا يحتذى به للشباب المناضلين، فها هم يحملون بطاقات (شخصية هامة جدا) ويتنقلون بالجوازات ونمر السيارات الحمراء مع الحرس والمساعدين، وأصبح هؤلاء في موقع طبقي وذو امتيازات جعلتهم غالبيتهم يصمتون عن الأخطاء والفساد، وجعلتهم يواجهون ساحة من ينتقدهم، او من ينتقد زملائهم في القيادة.

 

خامسا: ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعمليات غسل الدماغ

كان الحزب وصحافته في القرن الماضي يعتبر اهم مصدر للمعلوات والمعرفة، لكن مع التطور التكنولوجي ووصول وسائل الاتصال الحديثة وتكنولوجيا المعلومات، أصبح المواطن ليس بحاجة للحزب لتزويده بالمعلومات وبالمعرفة حتى يختلف عن الاخرين لان ذلك أصبح متوفر لديهم. وبالرغم من أهمية التطور هذا إلا انه لعب دورا كبيرا أيضا في ابعاد الشباب عن العمل السياسي خاصة بين العوام 2000 لغاية عام 2015 حيث البرامج التلفزيونية الفضائية الليبرالية العربية والتركية التي كانت تستهدف الشباب العرب من خلال البرامج الدينية او البرامج الترفيهية بحيث تم ابعاد الشباب العرب عن قضاياهم واولوياتهم المتعلقة بالتحرر من الظلم والاستغلال وغياب الديمقراطية والغذاء.

 

 

سادسا: العقلية العشائرية والاحتضان العائلي للمتعطلين عن العمل:

تقوم العائلة بتزويد المتعطلين عن العمل بالحدود الاقل من الدنيا من قبل ذويهم للحفاظ على تبعيتهم للاقتصاد العائلي والمنح العائلية، وبالتالي خنوعهم وعدم انطلاقهم للشارع للمطالبة بحقوقهم كما حصل في الثورة الديمقراطية الثانية في أوروبا عندما انفصل الشباب عن عائلاتهم/ن، وبالتالي واجهوا حكوماتهم/ن للوقوف عن مسؤولياتهم وإيجاد العمل لهم/ن وبالتالي استقلالهم الاقتصادي الذي كان بوابة للتحررالسياسي والاجتماعي، والحصول على حقوق المواطنة بصفتهم/ن عناصر منتجة وليست عالة على المجتمع.

 

سابعا: استخدام الدين بالسياسة:

هناك في فلسطين كما هو في العالم العربي رجال دين يعملون بالسياسة، وهناك أيضا سياسيين يعملون في الدين، فرجال الدين الذين يسوقون للنظام السياسي والاجتماعي القائم، والتعامل مع من يطالب بالتغيير بصفته خارج عن الدين، ومعظم هؤلاء يعملون اما لصالح الحكومة او لصالح رأس المال، او لصالح افكار مجتمعية تقليدية. واستطاع هؤلاء من خلال التربية والمناهج التعليمية والاعلام الموجه ان يغلفوا رجال الدين بغلاف القدسية، بحيث أصبح توجيه النقد لهم او رفضهم يعتبر كفرا بالخالق حتى استطاع هؤلاء من الهيمنة على وسائل الاعلام، وعلى التربية والتعليم وعلى مفاصل الدولة، وتجلى ذلك بالهجوم الممنهج سواء من بعض الأحزاب السياسية الأصولية أو القوى المجتمعية المحافظة او بعض رجال الدين المتشددين على المؤسسات الحقوقية والنسوية.

 

ثامنا: ضعف المجتمع المدني الفلسطيني:

باتت معظم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني إما حصون وقلاع لتعزيز النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم، وإما تطالب المؤسسات بالإصلاحات، وليس لحل المعضلات. فالمجتمع المدني الفلسطيني منقسم ما بين المجتمع المدني الثوري الذي يعمل برؤيا غرامشي الثورية لتغيير الواقع، وإما مؤسسات مجتمع مدني ليبرالية مستفيدة من تجميد عمليات التغيير لان معظم قيادات هذا المجتمع أصبحت في موقع طبقي يتعارض مع العدالة الاجتماعية والديمقراطية التشاركية التي تفتح المجال للمساءلة والمحاسبة وتغيير المواقع، فهي اما تنتمي لاي من الأحزاب التقليدية او اليمينية او انها جزء من النظام السياسي والاجتماعي القائم.

وسائل التغيير

 

أولا: النضال من اجل قطاع تعليمي وطني مقاوم

من خلال الخبرات الطويلة في العمل السياسي، ودراسة الكم الهائل من التجارب السياسية في عدة مناطق في العالم تشكل لدى الفلسطينيين معادلة سياسية تفترض انه لا تحرر ولا استقلال من الاحتلال الصهيوني إلا باستقلالنا الاقتصادي عن دولة الاحتلال، وهذا يعني ان أصحاب القرار في دولة الاحتلال يرون باحتلالهم لفلسطين عبارة عن مشروع مدر للربح، وربما إيقاف حنفية الأرباح سيساهم في رحيل الاحتلال كما رحل من قطاع غزة عام 2005، حيث لم يرحل تحت ضغط الرصاص الفلسطيني، بل رحل لان تكلفة الاحتلال أصبحت تعادل او اكثر من تكلفة الدخل الذي كانت تدره غزة على الاحتلال (المعادله الامنيه). فاستقلالنا الاقتصادي هو بوابة تحررنا السياسي (مؤتمر نابلس/ هل الاستقلال الاقتصادي بوابة للتحرر السياسي؟) اما قضية ارض الميعاد وغيرها من الروايات، فقد صنعها أصحاب رؤوس الأموال وسياسيي دولة الاحتلال الذي هم أنفسهم لا يؤمنون بها.

فالتحرر الاقتصادي لا يمكن ان يتحقق دون تنمية حقيقية، فالتنمية الحقيقية هي البناء التحتي للاقتصاد، نحن لا نتحدث عن تنمية كاملة شاملة في ظل الاحتلال، لكن هناك إمكانيات للسير باتجاه التنمية وإيجاد الاقتصاد المقاوم الذي يحفظ حياة الناس بما توفره من شروط الحياة دون الاعتماد على اقتصاد العدو. باختصار ليس مطلوبا العيش في بحبوحة، بل العيش الكريم، وبدون ذلك لا يمكن لفلسطين ان تضع قدميها على سكة الاستقلال الاقتصادي، لذلك نحن بحاجة الى التنمية بكافة اشكالها البشرية والاقتصادية والشاملة والمستدامة، بالإضافة للتنمية القومية والتنمية المستقلة. فتحقيق هذه التنمية ستلد حتما اقتصادا فلسطينيا قويا يؤهل فلسطين للاسقلال عن دولة الاحتلال اقتصاديا. قد يتحدث البعض عن الحصار الاقتصادي والاغلاقات وغيرها من السياسات الإسرائيلية، لكن هناك تجارب كثيرة لدول عديدة استطاعت ان تنهض في ظل الحصار، لندرس تجربة الروس في طريق كولافولامكس ابان الحرب العالمية الثانية اثناء الحصار، ولندرس تجارب كوبا وفيتنام وناميبيا التي نهضت اقتصادياتها من تحت الاركام في ظل الحصارات. بصراحة هذا بحاجة الى تفكير اقتصادي وطني مقاوم وليس بالعقلية السياسية والرأسمالية الفلسطينية الحالية التي تخض تجربة بناء الاقتصاد المقاوم.

السؤال المطروح الان: كيف لنا ان نحقق التنمية الشاملة؟ الإجابة بكلمة واحدة "التَعَلُم"، أي التعليم المهني الحواري النقدي التشاركي، وليس التعليم القائم على تقديس النص، والاعتماد على الغيبيات، والعيش في الماضي، هذا ناهيك عن الطرق والأساليب التعليمية الكلاسيكية والتقليدية التي تضع الأستاذ في موقع الفاعل والطلبة في موقع المفعول به. هذا ناهيك عن المناهج التلقينية التي تصنع الانسان الفلسطيني الخنوع الذي لا يطمح للتغيير، بل يطمح ليكون جزء من أداة القمع السلطوية، او جزء من الطبقة الرأسمالية المتنفذة.

 

بناء على ما تقدم، على الشباب النضال والمساهمة لتغيير النظام التعليمي من اجل إيجاد قطاع تعليمي مهني علمي ابداعي في مدارسنا وجامعاتنا قائم على مناهج تتحدث عن المستقبل، وتأهيل مدرسين بما يتناسب والتعليم الابداعي الغير تلقيني، نريد تَعَلُم وليس تعليم، نريد تفكيرا نقديا وليس الحفظ عن ظهر قلب، نريد تعليما ينتج الابداع.

اما فيما يتعلق بجامعاتنا فهي أيضا بحاجة الى انتفاضة مناهج من اجل الانتقال الى التعلم والتفكير الحواري التشاركي النقدي، إضافة الى اغلاق عدد كبير من الكليات غير المفيدة والغير مطلوبة في سوق العمل، واستبدالها بالكليات التقنية التي تخاطب وتستجيب للغة واحتياجات القرن الواحد والعشرين، وبالتالي سيكون قطاعنا التعليمي رافعة كفاحية لصناعة التنمية الحقيقية المطلوبة لتحقيق استقلالنا الاقتصادي بصفته بوابتنا للتحرر السياسي.

 

ثانيا: النضال من اجل نظام اقتصادي مختلط ومقاوم

نعم، هناك احتلال فاشي، وهو السبب الرئيسي للتحديات التي يواجهها شعبنا الفلسطيني عامة والقطاع الشبابي بشكل خاص، لكن اختزال مشاكلنا بالاحتلال يعفي رؤوس الأموال الكمبرادورية من مسؤوليتها عن الوضع الكارثي الذي يعيشه الشباب، وعن هجرة الشباب من الوطن. ولمواجهة رأس المال يمكن القيام بعدد هائل من النشاطات، أولها الاعتصامات امام الشركات الخاصة العابرة للقارات، والمطالبة باستثمارات بالوطن بدل الاستثمارات في الخليج والسودان ومصر والدول الافريقية. ولتعرية رؤوس الأموال بالنسبة المئوية للارباح، وهذا بحاجة الى الدراسات العلمية الإحصائية التي ستثبت بان البعض منهم يربح أكثر من 500% في السلعة التي تباع للمواطن. وعلى الشباب أيضا مطالبة رؤوس الأموال بالكف عن العمل الخدماتي، والانتقال الى التصنيع والارتقاء بالاقتصاد الفلسطيني والسير بالاتجاه الصحيح وصولا للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.

وحتى ينجح القطاع الشبابي في هذه العملية علية العمل والنضال من خارج ومن داخل السلطة التشريعية ومؤسسة الرئاسة لتغيير المادة 21/1 التي تقر وتشرع الاقتصاد الرأسمالي، والتي جاء فيها ما يلي: "يقوم النظام الاقتصادي في فلسطين على أساس مباديء الاقتصاد الحر، ويجوز للسلطة التنفيذية انشاء شركات عامة تنظم بقانون".

على الشباب الفلسطيني إدراك مصالحهم/ن من خلال المطالبة بالاقتصاد المختلط من اجل تخفيض الأسعار وضبط رؤوس الأموال، او المطالبة بالحد الأدنى باقتصاد السوق الاجتماعي الذي يعتبر نوعا ما اقل استغلالا من النظام الاقتصادي الراسمالي المعمول به في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ان عملية التغيير هذه بحاجة الى أصوات واعية وجريئة لمساءلة أصحاب القرار الذين يستغلون القطاع الشبابي دون افادة هذا القطاع، ومثال ذلك مؤتمر بيت لحم الاقتصادي من العام 2010 جاء تحت عنوان: "المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، لكن، ما الذي حصل؟ كانت المشاريع المقدمة والمقترحة ذات ارقام فلكية، استحوذت عليها الشركات العابرة للقارات الفلسطينية والعربية ولم يحصل القطاع الشبابي على أي شيء.

 

ثالثا: مواجهة غياب الديمقراطيات الثلاث:

يتم ذلك أولا من خلال المعرفة والوعي والالتزام بمباديء هذه الديمقراطيات. فعلى المستوى الوطني عليهم الخروج للشارع للمطالبة بعقد الانتخابات للجميع رئاسية وتشريعية ومحلية، وانتخابات الأحزاب والنقابات والاتحادات وغيرها من المؤسسات العامة كانت حكومية او غير حكومية. وعليهم أيضا المطالبة بالالتزام بالديمقراطيات الثلاث داخل احزابهم السياسية ومؤسساتهم الاهلية واتحاداتهم الشعبية. الجميع منا يعرف الانتخابات، لكن هذا ليس كافيا، فالانتخابات هي جزئية بسيطة جدا في عملية التغيير الاجتماعي، وحتى تكون أداة تغيير يلزم قوانين ومحددات لذلك، ومثال ذلك المطالبة بقانون للأحزاب السياسية الذي يحدد مثلا الفترة الزمنية للقيادة الحزبية، والذي يبيح فتح الحسابات في مؤتمرات الأحزاب مثل نقاش الموازنات والميزانيات، والخطط المقترحة وتقييم الخطط السنوية المنتهية. ممارسة الديمقراطية التشاركية داخل المؤسسات الاهلية يتطلب مشاركة الفئات المستهدفة بالحديث عن اوجاعها وآلامها واوجاعها وعن دورهم في عملية التغيير والبناء.

 

هذا لا يأتي الا من خلال الانخراط في هذه التنظيمات الحزبية والأهلية والنقابية والشعبية، وليس للبقاء خارج إطار هذه التنظيمات ووضع الملاحظات وإصدار الشائعات او الاكتفاء بعمليات النقد التي تكون بمجملها غير مؤثرة وغير بناءة.

 

حقيقة هناك فرصة، بل فرص امام الشباب لفرض الواقع الجديد، ومثال ذلك عدم الاكتفاء بالتسجيل للانتخابات، ورقابة العملية الانتخابية في الهيئات المحلية، بل يجب ان يرتقي الى تشكيل القوائم الشبابية وخوض الانتخابات كمرشيحين وكمرشحات، وهذا يتطلب مواجهة الأحزاب الظلامية والعقلية العشائرية الرجعية.

ومن الطبيعي ألا ينتهي العمل فترة خوض الانتخابات، بل العمل على تغيير قوانين الانتخابات من خلال النضال لتخفيض سن الترشح الى 18 عام كما هو سن الناخبين سواء كان ذلك على مستوى الانتخابات المحلية او التشريعية. وعلى الشباب أيضا ان يناضلوا من اجل رفع نسبة الكوتا النسائية مرحليا لتصل الى 40% او الالتزام بقرارات المجلس المركزي بتطبيق عملي لل 30% بالحد الأدنى، وبإمكان القطاع الشبابي أيضا خلال العملية الانتخابية ان يعري القوائم التي تمثل النساء والشباب بالحدود الدنيا خاصة الأحزاب السياسية التي لا تختلف من حيث تمثيل النساء بالحدود الدنيا (امرأة في اول خمس أسماء).

 

يتطلب الامر أيضا انشاء وبناء المؤسسات والنقابات والاتحادات الجديدة، وأكبر طابور نقابي قد يكون هو طابور الخريجين المتعطلين عن العمل. وعلى هؤلاء خوض الانتخابات بهدف تغيير التشريعات والقوانين الفلسطينية التي تعفي الحكومة او السلطة الفلسطينية من التزاماتها لايجاد العمل لكل من هو قادر عليه، ومثال ذلك المادة 25/1 من القانون الفلسطيني والتي جاء فيها: "العمل حق لكل مواطن وهو واجب وشرف وتسعى السلطة الوطنية الى توفيره لكل قادر عليه".

 

وهذا ما يتعارض مع الواقع من جهة، ومن جهة اخرى يجب النضال لتغيير هذه المادة لتكون: "تلتزم السلطة الفلسطينية وليس تسعى.

 

رابعا: تعزيز الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية:

تحدث الشبابوالشابات في الجلسات البؤرية بان أعضاء الأحزاب السياسية من الشباب لا يستطيعون التغيير والوصول الى المستويات الحزبية العليا. حقيقة لا يمكن لاحد ان يصل الى الهيئات العليا في ظل غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وبالتالي المطلوب من الشباب الحزبيين النضال من داخل احزابهم لاجبار القيادة الحزبية الالتزام بادبيات الأحزاب التي تتغنى بالديمقراطية.

 

وعلى الشباب أيضا العمل من اجل إقرار قانون الأحزاب السياسية الموجود بين ملفات السيد الرئيس. فوجود قانون للاحزاب السياسية يعزز مطالبة الشباب الالتزام بالممارسة الديمقراطية داخل الحزب السايسي، وتعطيهم الضوء الأخضر لاجراء التعديلات التي تضمن وتكفل دورية الانتخابات ووضع الحدود والمدد الزمنية للمناصب الحزبية العليا. ويضاف الى ذلك فتح المجال امام الشباب لتأسيس أحزاب جديدة لها رؤياها وبرامجها واليات عملها التي تنسجم ليس فقط مع احتياجات الوطن واحتياجات الشباب، بل وأيضا للعمل وفقا لعقلية وأدوات القرن الواحد والعشرين.

 

خامسا: استغلال ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:

تشير أبحاث جهاز الإحصاء الفلسطيني الحديثة لهذا العام 2021 ان 86% من الشباب يستعملون الانترنت وباقي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، لكن وبنفس الوقت تتحدث الأبحاث الصينية والمصرية على ان النسبة العليا في استخدامات تكنولوجيا المعلومات لا تتم لمصلحة الشباب والتنمية، بل للتسلية وقضاء الوقت الضائع دون أدني نسبة للاستثمار في ذلك.

 

حقيقة هذه فرصة العمر للشباب الفلسطيني الذي بامكانه ان يكون صحفيا ومنتجا وناشرا للاخبار وللمعرفة في حال استثمر بادوات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فما على الشباب الفلسطيني إلا البحث عن المعلومات من المصادر الأولية المتوفرة عبر الشبكة العنكبوتية، ومن ثم تص

There is an attachment
attach_fileAttachment