تقرير نقدي حول: نظام التحويل الوطني للنساء المعنفات في فلسطين
يعد العنف المبني على النوع الاجتماعي من أهم التحديات التي تعاني منها النساء والفتيات في فلسطين والمنطقة العربية والعالم، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي واللفظي والاقتصادي والمجتمعي والقانوني والجنسي (التحرش الجنسي والاغتصاب) وقد تصل بعض اشكال العنف الى حد القتل الفعلي الذي ما زال يمارس في الكثير من المجتمعات خاصة العربية على ما يسمى "القتل على أساس الشرف" وكأن في قتل النساء والفتيات شرف. كما تعاني الفتيات من العديد من الممارسات الضارة بما فيها التزويج المبكر.
ويمارس العنف بكافة أشكاله في الفضاء العام (الشارع وأماكن العمل...الخ) وفي الفضاء الخاص (الأسرة) سواء على مستوى الأسرة النووية و/أو الأسرة الممتدة. علما بأن ممارسة العنف بأشكاله المختلفة لا تقتصر على طبقة اجتماعية أو اقتصادية و/او دينية و/أو ثقافية معينة، بل يمارس العنف على النساء والفتيات بغض النظر عن الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والأعراق والأديان التي ينتمين إليها.
تفتقر فلسطين الى وجود إحصائيات دقيقة وشاملة حول مدى انتشار ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات وتتباين فيما بينها إن وجدت. الا ان جميع الدلائل تشير وبوضوح الى تفشي هذه الظاهرة التي تعززها العديد من العوامل المؤيدة والداعمة لوجودها، ابتداءً من الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك كافة حقوق النساء ويحرمهن وشعبهن ككل من العيش بحرية وبكرامة بشكل يومي. كما تعزز الثقافة الأبوية المجتمعية السائدة بما فيها العادات والتقاليد والأعراف الى حد كبير تعنيف النساء والفتيات. أضافة إلى ذلك عدم سن قانون خاص لحماية النساء من العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي مما يشكل عائقا كبيرا في حماية النساء، حيث ما تزال مسودة قانون حماية الأسرة من العنف قيد الدراسة ويقبع في ملفات الحكومة والرئاسة في فلسطين منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، بالرغم من مطالبات العديد من مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها المراكز النسوية العاملة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والقانونية للضحايا وللناجيات من العنف الى اقرار مثل هذا القانون للمساهمة في حماية النساء والفتيات وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة المعرضات /ون إلى كافة أشكال العنف.
ويتعزز العنف المبني على النوع الاجتماعي أيضا كون المنظومة التشريعية المعمول بها في فلسطين والمرتبطة بالسياق السياسي للشعب الفلسطيني الذي نجم عنه انفاذ قوانين مختلفة المصادر، كالقوانين الأردنية في الضفة الغربية، والقوانين المصرية في قطاع غزة، إضافة الى قوانين تعود لحقبة الاستعمار البريطاني، إضافة الي الأوامر العسكرية الإسرائيلية. ومنذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1995، وانتخاب المجلس التشريعي عام 1996، تم سن العديد من القوانين التي تنظم حياة الافراد في الحقول المختلفة. ولكن مع توقف المجلس التشريعي عن الانعقاد وسن اي تشريعات جديدة منذ عام 2007, تم الإبقاء على القوانين غير الفلسطينية والتي تم سنها منذ ما يزيد عن النصف قرن الى جانب القوانين الفلسطينية، وخاصة تلك التي تنظم حياة النساء. وتتسم هذه القوانين بالتمييز الواضح القائم على النوع الاجتماعي وتكرس العنف وتعيد انتاج التمييز ضد المرأة كونها أداة مهمة في تشكيل الوعي الفردي والوعي الجمعي، وتحدد مضامين الخطاب والثقافة على صعيد المجتمع ككل.
حيث قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة لعام 1960 المطبق في الضفة الغربية وقانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة. بالإضافة إلى قوانين الأحوال الشخصية المطبقة في كل من غزة والضفة الغربية التي لم يطرأ عليها الا تعديلات طفيفة نتيجة تعارضها مع مواد أخرى في القانون وذلك لغياب إرادة سياسية للنظام السياسي الفلسطيني، تحديدا السلطة الوطنية والأحزاب السياسية والتي من شأنها إعادة الهندسة الاجتماعية على أساس المساواة، إضافة الى الانقسام الداخلي الفلسطيني. كما أن عدم التئام المجلس التشريعي لسنوات عديدة أدى ومازال يؤدي الى اختلال في مسار العمل التشريعي الذي من الممكن أن ينتج عنه - في الوضع الطبيعي- تشريعات مستجيبة للنوع الاجتماعي تتماشى مع وثيقة الاستقلال عام [1]1988، التي أكدت على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة دون تمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون، ومع المادة (9) من الباب الثاني من القانون الأساسي ”الحقوق والحريات العامة“ والتي تنص على أن: "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة“. اضافة الى التزام فلسطين للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها بما فيها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بدون تحفظ.
منذ وقف أعمال المجلس التشريعي، تستند حماية النساء والفتيات في فلسطين على المراسيم الرئاسية وقرارات مجلس الوزراء. فعلى سبيل المثال: المرسوم الرئاسي الذي صدر فيما يتعلق بإلغاء نص المادة 340 من الفصل الأول من الباب الثامن من قانون العقوبات رقم (16) لعام 1960، وتعديل المادة (18) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936، إلا أن هذا المرسوم وغيره من القرارات والمراسيم الأخرى بقيت جزئية وغير قادرة على الغاء التمييز وعلى حماية النساء والفتيات من الأشكال المختلفة للعنف المبني على النوع الاجتماعي.
ونتيجة للجهد المتواصل للمؤسسات المجتمع المدني والائتلافات الحقوقية النسوية، وبالتحديد المراكز النسوية التي تقدم خدمات صحية نفسية وقانونية واجتماعية للنساء المعنفات والناجيات من العنف والتي قدمت خدماتها قبل انشاء السلطة الفلسطينية عبر آليات وأدوات مجتمعية مختلفة وفعالة للوقاية وللحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي ظل عدم وجود بيوت آمنة وأجهزة إنفاذ للقانون بما فيها مراكز الشرطة التي عليها أن تساند عمل هذه المنظمات في مواضيع تتعلق بالمرافقة والحماية. ومع ذلك نجحت هذه المنظمات في عملها دون وجود بروتوكولات وأنظمة تحويل ومذكرات تفاهم ما بين المؤسسات العاملة في مجال الحماية، حيث أسهمت حملاتها في الضغط والمناصرة والحوار مع أطراف رسمية، واجراءها المقاربات مع قوانين تم سنها في الإقليم، وتقديمها مسودات لمشاريع قوانين، وإجراءات وسياسات للحماية، أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني قرار رقم 9 لسنة 2011، بشأن نظام مراكز حماية المرأة المعنفة[2] والقرار رقم (18) لسنة 2013 بشأن نظام التحويل الوطني للنساء المعنفات[3].
منهجية التقرير
مراجعة للأدبيات المتعلقة بالدراسات و/ او الأوراق و/او السياسات المتعلقة بنظام التحويل الوطني الحالي في فلسطين
- اجراء مقابلات فردية مع الجهات ذات الصلة العاملة في مجال نظام التحويل بما في ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة والشرطة ووزارة شؤون المرأة والمراكز النسوية والمهنية التي تقدم خدمات الارشاد القانوني والاجتماعي والصحي للضحايا/ الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
- عمل مجموعة بؤرية مع النساء الضحايا/الناجيات (5-7 نساء) للتعرف على تجاربهن حول نظام التحويل المعمول به في فلسطين.
[1] https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4938
[2]قرار مجلس الوزارء رقم 9 لسنة 2011 بنظام مراكز حماية المراة المعنفة
http://muqtafi.birzeit.edu/pg/getleg.asp?id=16309
[3] قرار مجلس الوزراء رقم 18 لسنة 2013 بشان نظام التحويل الوطني