ورقة بعنوان التغيرات السياسية وانعكاساتها على واقع الحكم المحلي

ورقة بعنوان التغيرات السياسية وانعكاساتها على واقع الحكم المحلي

 

حين سُئلت نجاة أبو رميلة وهي إحدى النساء اللواتي استطعن الوصول لرئاسة البلدية في منطقة النويعمة والديوك، ما هي أهم التحديات التي واجهتها كناشطة سياسية ومجتمعية؟ أجابت وبشكل مختصر "التهميش"[1].

قد يبدو التهميش للوهلة الأولى بأنه يرتبط بأحد الجوانب في حياة الشخص ما، إما المنطقة الجغرافية أو الجنس أو الوضع الاقتصادي أو مدى القدرة على المشاركة السياسية والاجتماعية، ولكن التهميش يطال أحياناً كل ما سبق ذكره، فتصبح التحديات أكبر وأكثر تراكماً تجعل من التقدم في المواقع القيادية للنساء أو الشباب أمراً أشبه بالمستحيل. فعندما تجتمع عوامل التهميش الاجتماعي والسياسي تصبح المرأة والشاب كفئات مهمشة أمام تحدٍ مضاعف، ويتطلب من داعميها التفكير بطرق غير تقليدية لتجاوزها.

عادة ما يرافق التهميش الاجتماعي فعل سياسي يعمل على تعميق الأزمة ويراكم من تحدياتها، وفي السنوات الأخيرة مر على الفلسطينيين مجموعة من التغيرات السياسية كان لها أثر مباشر على تبدل وتغير ألوياتهم وتطلعاتهم، وألقت بظلالها على مفهوم المشاركة في إدارة الشأن العام سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي متمثلاً بالحكم المحلي من خلال مجالس الهيئات المحلية. فمنذ أكبر تغير في المشهد السياسي الذي تمثل بالانقسام في منظومة الحكم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وما تبعها من أثار لغاية يومنا هذا، تعطلت لدى الفلسطينيين القدرة على المشاركة السياسية نتيجة لتعطل الانتخابات، وتكريس التفرد بالسلطة واحتكار دوائر صناعة القرار ضمن فئات محددة، وانشغل النظام السياسي سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية في البحث عن سبلٍ لتجديد والحفاظ على شرعيتها، فتارةً تجد اللافتات المؤيدة وتارة ترى في الفعل السياسي والتحرك الدبلوماسي أو المقاومة مصدراً لتجديد شرعيتها، تستبعد من خلاله أي مشاركة فعلية من قبل مواطنيها.

تطورات المشهد السياسي "مزيد من التهميش وتعميق حالة الإحباط"

ومع تعمق أزمة النظام السياسي في فلسطين وتزايد حدة التوترات الداخلية، لجأت النخب السياسية بعد تيقنها من الحاجة إلى الدخول في مسار سياسي يتمثل بضرورة إجراء انتخابات عامة كطريقة لإعادة حيوية النظام السياسي بشقيه في غزة والضفة ويكون مدخلاً لحل الأزمات التي يعاني منها وهي مسألة "الشرعية السياسية". وترافق ذلك مع مجموعة من التغيرات السياسية الخارجية التي كان لها الأثر المباشر في زيادة الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية بوصفها شريك في العملية السياسية لإيجاد حل للمسألة الفلسطينية، وتمثلت أهم هذه التغيرات بتغيير نهج الإدارة الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية مع حلول العام 2017[2] وما تبعها من إعلان لصفة القرن واعتراف الإدارة الامريكية بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وقطع المساعدات الأمريكية، بالإضافة لتعنت الجانب الإسرائيلي أمام أي تقدم على المسار السياسي من خلال زيادة وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وإعلان الحروب على قطاع غزة وحجز أموال المقاصة، وزيادة وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين بالقتل والتهجير وهدم البيوت وتهويد القدس وغيرها من الانتهاكات.

كل ذلك وغيره من التغيرات الدولية كالتقارب الخليجي الإسرائيلي وإعلان اتفاقيات التطبيع الثنائية متجاوزين عقدة القضية الفلسطينية وارتباطها حلها كمقدمة لأي علاقات تطبيع بين العالم العربي وإسرائيل. جعلت هذه الأزمات القائمين على إدارة السلطة الوطنية في مأزق حقيقي ونادت النخب السياسية بضرورة الانفكاك من الاتفاقيات كردة فعل ضد المواقف الإسرائيلية والأمريكية بل واتفق طرفي الانقسام على الدخول في حوارات موسعة وبشراكة القوى الوطنية الأخرى للتحضير لإجراء انتخابات عامة.

تعتبر الحوارات التي دارت بين الفصيلين الأكبر في فلسطين وهما حركتي حماس وفتح بمثابة محاولة للخروج من الأزمة وانسداد الأفق السياسي ومحاولة لإعادة قواعد اللعبة السياسية القائمة على انتظام العملية الانتخابية مع الاتفاق على ضمانات تحفظ للطرفين مكتسباتهما والتي خُلقت وتم تكريسها خلال فترة الانقسام في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، توجت هذه الحوارات والتفاهمات بتحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة خلال مرسوم أصدره الرئيس في الخامس عشر من شهر كانون ثاني للعام 2021[3]، تفاعلت مكونات الشعب الفلسطيني مع هذا القرار معتبرين أنه مدخلاً للخلاص من الانقسام والعودة لسلطة الشعب لإدارة شؤونه الداخلية وتحديد سياسته الخارجية بل وتكريس شراكة حقيقية تدار فيه شؤونه ضمن مؤسسات ونظام سياسي متجدد وحديث وعصري.

ترافق إعلان موعد الانتخابات بتوسع للمساحات المدنية التفاعلية بشكل غير مسبوق، وتسابقت خلاله القوى على تشكيل قوائمها وظهرت قوى مجتمعية وسياسية جديدة شكلت قوائم للمنافسة الانتخابية، وعلى الرغم من أن الاستعداد لجولة انتخابية جديدة بعد انقطاع دام لأربعة عشر عاماً تكشفت خلالها مواطن الضعف والترهل لدى القوى السياسية التقليدية وهي تسابق الزمن لتجاوز ومعالجة أزماتها بالحلول الأنية من خلال تقديم وجوه نسوية أو شابة أو شخصيات لها تاريخ نضالي بغية تحقيق مكاسب انتخابية في مشهد شديد التعقيد، ولكن بكل حالات الضعف هذه! استطاعت القوى الفلسطينية المختلفة سواء التقليدية أو الجديدة تشكيل 36 قائمة انتخابية متنوعة مثلت جميع المشارب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المكونة للشعب الفلسطيني.

وفي غضون حالة التفاعل المجتمعي والسياسي بشأن الانتخابات العامة، جاء إعلان الرئيس يوم التاسع والعشرين من شهر نيسان للعام 2021 بتأجيل الانتخابات العامة بذريعة عدم قبول الاحتلال إجراءها في القدس[4]، معتبراً أنها مسألة سياسية لها أبعاد ذات ارتباط بالسيادة وليست مشكلة فنية يمكننا تجاوزها. نتج عن هذا القرار انتكاسة مجتمعية جديدة علت فيها أصوات مطالبة لعدم أحقية الرئيس في مصادرة حق دستوري حُرم من ممارسته الشعب الفلسطيني منذ العام 2006، ومع تزايد حالة الغليان الداخلي، ظهرت بالتزامن قضية الشيخ جراح في القدس وما تلاها من اشتباكات مع قوات الاحتلال توسعت لتشمل الضفة الغربية والداخل الفلسطيني في احتجاجات رافضة لواقع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت هذه الهبة بمثابة الفعل الشعبي الذي أعاد وضع القضية الفلسطينية للواجهة العالمية، إلا أن تم الدخول على خط الحرب مع قطاع غزة حيث أعلنت إسرائيل بدء عمليتها ضد القطاع في حرب استمرت 11 يوما[5]، من القصف والتدمير لكل مناحي الحياة في القطاع، معيداً بذلك سنوات الحرب المتتالية على قطاع غزة منذ فرض الحصار عليه، وما رفقها من أزمات اقتصادية وصحية وسياسية متراكمة على مدى السنوات الماضية.

الانتخابات المحلية كوسيلة لتخفيف الضغط على النظام السياسي:

نتيجة لإلغاء الانتخابات العامة، لجأت الحكومة الفلسطينية لإعلان موعد الانتخابات المحلية في جلستها المنعقدة بتاريخ السادس من شهر أيلول عام 2021، [6] على مرحلتين على أن تكون المرحلة الأولى مخصصة للهيئات المحلية والقروية المصنفة ج والبالغ عددها 387 هيئة وتم استبعاد 11 هيئة من قطاع غزة من المرحلة الأولى وضمها للمرحلة الثانية المخصصة لانتخاب مجالس الهيئات المحلية في المجالس البلدية المصنفة أ و ب وذلك في السادس والعشرين من شهر أذار في العام القادم.

تسبب هذا الإعلان في انقسامات جديدة في مواقف القوى والمؤسسات الفلسطينية وخاصة أن إعلان انتخابات الهيئات المحلية جاء بدون أي ترتيبات مسبقة أو حوارات وطنية بغية التحضير لإجرائها، وتم تبرير تجزئة الانتخابات على مرحلتين بسبب وباء كورونا والمصلحة الوطنية، وهي مبررات غير واقعية وتغطي أسباب سياسية قائمة على اعتماد نفس النهج في استبعاد أي محاولة للإصلاح من خلال عملية انتخابية،  ويمكن تأطير الانقسامات بين مؤسسات المجتمع المدني والتي تتمتع بالدور الرقابي الداخلي الانتخابات ومعارضتها لانتهاك حق دستوري من خلال تقسيم الانتخابات على مرحلتين، أما بالنسبة لقطاع غزة فقد أعلنت حماس رفضها لأي انتخابات محلية دون ارتباطها بتحديد موعد للانتخابات العامة وأنه لم يتم التشاور معها منذ البداية في هذا الشأن معتبرينه التفافاً على المهمة الوطنية الأصيلة والمرتبط بإجراء الانتخابات العامة.

كما وتأتي هذه الانتخابات في ظل حالة من الاحتقان الشعبي المتراكم نتيجة اغتيال الناشط السياسي نزار بنات والذي على إثر الواقعة، خرجت مظاهرات واحتجاجات تركزت في مدينة الخليل ورام الله للمطالبة بمحاكمة الجناة وتقديم المسؤولين عن هذه الجريمة للقضاء الفلسطيني. وتعمدت قوات الأمن الفلسطيني بقمع المظاهرات والإفراط في استخدام القوة لتفريق المتظاهرين وتزايد الاعتقالات في صفوف الناشطين السياسيين والاجتماعيين، ومحاولات الترهيب لأي قوى مدنية لاستخدام المساحات العامة بهدف الاحتجاج أو التظاهر.

إن المتتبع للانتخابات المحلية خلال السنوات السابقة ومنذ العام 2012 ولغاية 2017 والتي جرت فترة الانقسام السياسي وانعدام دورية الانتخابات العامة، يجد أن نسبة التصويت فيها في تناقص مستمر إذا ما قورنت بالانتخابات المحلية التي جرت 2004 و2005، حيث وصلت نسبة التصويت في العام 2012 إلى 53.8% بعد أن وصلت نسبة التصويت إلى 70% في العام 2004، بينما استقرت في العام 2017 على ما نسبته 53.9%، الأمر الذي يشير إلى مزيد من نسب العزوف عن المشاركة وذلك نتيجة توسع الهوة والانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني لأسباب سياسية[7]

كما وتشير نسب المجالس والهيئات المحلية التي تجري فيها الانتخابات بطرق تنافسية من خلال تنافس أكثر من قائمة انتخابية في تقلص مستمر، حيث بلغت نسبة المجالس التي تمت فيها الانتخابات عام 2004-2005 إلى ما نسبته 92% من المجالس، مما يشير إلى حيوية الأجواء الديمقراطية والتنافسية بين الكتل الانتخابية المتنوعة. بينما تراجعت هذه النسب لمعدلات متواضعة خلال انتخابات 2012 و 2017 إذ وصلت 39% في العام 2012 و 40% في العام 2017 مما يشير إلى تقلص المساحات الديمقراطية أمام الجمهور لاختيار ممثليه في الهيئات والمجالس المحلية.

كما انعكس الأمر على تزايد نسب المجالس والهيئات المحلية التي لجأت لتشكيل قوائم تزكية، فبعد أن اقتصرت على ما نسبته 8% من المجالس في العام 2004، تضاعفت النسب لتصل إلى أكثر من 61% في العام 2012 و51% في العام 2017، مما يشير إلى عزوف الجمهور من جانب وتقلص القوى المشاركة لتشكيل مجالس وهيئات الحكم المحلي[8].

وعندما تقرأ هذه النسب وبتتبع التغيرات في المشهد السياسي نجد أن غياب دورية الانتخابات العامة له أثر مباشر بالارتباط بنسبة العزوف عن الانتخابات المحلية كما أن غياب بعض القوى عن المشاركة والاستئثار بالسلطة على حساب تجديد الشرعية، يخلق مزيداً من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المجتمع الفلسطيني.

كما أن تزايد التهميش يخلق مزيداً من الأقصاء للنساء والشباب الذين سعوا لتحسين الوضع القانوني لقانون الانتخابات المحلية لزيادة فرصهم من خلال زيادة نسبة الكوتا النسوية بالإضافة إلى تخفيض سن الترشح. كل هذه المطالبات لم تأخذ بعين الاعتبار، مما يجعل فرص المشاركة الحقيقية أمر مشكوك به.

وبالمجمل تشكل هذه الانتخابات تحدياً جدياً أمام مؤسسات المجتمع المدني، ليس من ناحية تحسين الوضع لقائم ولكن بالحفاظ على عدم التراجع الوضع لما هو أسوء. خاصة في ظل ما شهده المجتمع الفلسطيني من ترهيب خاصة للنساء والشاب والذين كانوا قد استهدفوا خلال حراكاتهم الشعبية مما يجعل خلق بيئة أمنة لمشاركتهم في الانتخابات المحلية أمراً يحتاج لانخراط كل القوى الديمقراطية إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني في حوار يضمن خلق أجواء ديمقراطية تصان فيها الحريات والحقوق، وتمنع محاولات التغول والتخويف والترهيب.

 

[1] مفتاح، قصص نجاح، http://www.miftah.org/Arabic/Display.cfm?DocId=15490&CategoryId=142021 

[2]  https://www.aljazeera.net/blogs/2017/12/28/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-2017

 

[3]  وكالة وفا https://wafa.ps/Pages/Details/16252

 

/ Arabic https://www.bbc.com/arabic/interactivity-56965125.  BBC [4]

[5] https://www.aljazeera.net/%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86/2021/5/22/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9

 

[6]  لجنة الانتخابات المركزية،2021 https://www.elections.ps/tabid/1166/language/ar-PS/Default.asx

[7]  ورقة تحليلية لانتخابات الهيئات المحلية، 2021.

[8]  نفس المصدر

There is an attachment
attach_fileAttachment