فداء… من خيط الإبرة إلى خيوط القيادة
في قرية دير السودان، تلك القرية الصغيرة الوادعة شمال غرب رام الله، وُلدت قصة فداء عبد الرازق، امرأة لم تكن كبقية النساء. كانت فداء تملك شغفًا دفينًا بالتغيير، لكنها كانت تبحث عن الطريق… حتى وجدته مع جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية.
حين انضمت فداء إلى مجلس الظل النسوي في دير السودان، لم تكن سوى امرأة طموحة تحب التعلم والعمل اليدوي. لكن مع انخراطها في تدريبات الجمعية حول القيادة التحويلية، والنوع الاجتماعي، وآليات الضغط والمناصرة، بدأت ملامح القائدة تتشكل في داخلها. تعلمت فداء كيف تُعبر عن صوتها، وكيف تصنع الفرص حين تغيب، وكيف تحول التحديات إلى مساحات عمل نسوية منتجة.
بفضل هذا التمكين، تحولت فداء من مشاركة في لجنة نسوية إلى رائدة مبادرات مجتمعية واقتصادية. كانت البداية مع مشروع صغير للخياطة، جمعت فيه تسع نساء من قريتها، مزجن فيه بين التراث والتجديد، بين التطريز الفلاحي والأزياء المعاصرة. تقول عبد الرازق: "بالأصل كانت جمعيتنا الخيرية تأسست سنة 2014، كان لدينا عدة مشاريع منها تدريب النساء على الخياطة حيث تمكنا من تدريب 15 سيدة وبعضهن أصبحن يمتلكن مشاغل خاصة بهن".
لكن طموح فداء لم يقف عند خيط وإبرة. فداء، التي آمنت بأن التمكين الحقيقي هو في بناء نموذج اقتصادي جماعي، أطلقت جمعية "رياديات دير السودان التعاونية"، والتي باتت تضم اليوم أكثر من 80 سيدة، يعملن في الزراعة العضوية والتصنيع الغذائي.
من خلال دعم مجلس الظل النسوي وجمعية المرأة العاملة، انطلقت فداء أيضاً بمشروع تربية النحل، حيث بدأت بخمس خلايا نحل بدعم مباشر من الجمعية. وتضيف: "بدأنا بخمس خلايا نحل تكاثرت ليصبح لدينا حاليا 40 خلية موزعة على ثلاثة مناحل في ثلاثة تجمعات في القرية، غير قيامنا ببيع الكثير من الخلايا لمربي النحل في القرية بهدف تطوير مناحلهم".
في عزّ جائحة كورونا، حين أُغلقت الأبواب وتوقفت الحياة، لم تتوقف فداء. افتتحت مطبخًا شعبيًا يدعم المدرسة، ثم نقلت الفكرة إلى البيوت، فصارت نساء القرية يطبخن ويبعن منتجاتهن باسم الجمعية، ليصلن بمذاق الزعتر والكبة والمفتول إلى موائد الناس، وبصوتهن إلى مؤسسات القرار.
اليوم، تقف فداء على رأس مشاريع زراعية تمتد على عشرة دونمات، تزرعها النساء بأيديهن، ويستخدمن سمادًا طبيعياً، ويروينها بالماء الممزوج بالأمل. تقول فداء: "تعلمنا من الجمعية أن الأرض كالأحلام، تحتاج فقط لمن يحرثها بشغف ويزرعها بإرادة".
لكن الطريق لم يكن دائمًا معبّدًا. واجهت فداء وجمعيتها صعوبات كثيرة، منها غياب مقر دائم، واشتراط بعض الجهات أعمارًا محددة لتقديم الدعم. ومع ذلك، لم تتراجع. رسالتها للنساء كانت واضحة: "لا تيأسي، حاولي مرة واثنتين، وفي النهاية ستنجحين".
واليوم، تُعد فداء واحدة من أبرز قصص النجاح التي صنعتها مجالس الظل. قصة لم تبدأ بامتيازات، بل بفرصة؛ لم تُصنع في المؤتمرات، بل في الحقول والمطابخ وورش التطريز. وهي دليل حيّ على أن التمكين الحقيقي يبدأ حين تؤمن المرأة بذاتها، ويزهر حين تجد من يؤمن بها.
فداء عبد الرازق، واحدة من قائدات الظل… صنعت الضوء.
يأتي توثيق هذه القصص للنساء والشابات بهدف تعميم تجاربهن في مجال المشاركة السياسية ضمن حملة المناصرة والتوعية على مشروع تعزيز المشاركة السياسية للمرأة وزيادة تأثيرها"، الذي تنفذه جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، بتمويل من حزب الوسط السويدي CIS.