رحلة م.ص: من الصدمة إلى التمكين والتغيير
رحلة م.ص: من الصدمة إلى التمكين والتغيير
كانت م.ص فتاة في العشرين من عمرها، طالبة جامعية من إحدى قرى رام الله، تعيش واقعاً مؤلماً في ظل أسرة مفككة. تسكن مع والدها وإخوتها الخمسة في منزل تغمره التوترات، بينما لا تزال إجراءات الطلاق بين والديها مستمرة في المحاكم.
عندما حضرت م.ص ورشة عمل في كليتها حول العنف وأشكاله، شعرت وكأن شخصاً ما يتحدث عن معاناتها الشخصية. لم تتردد للحظة، بل توجهت مباشرة بعد الورشة لطلب موعد استشاري. كانت تحمل في داخلها آلاماً عميقة من العنف الجسدي الذي مارسه عليها والدها، والأسوأ من ذلك، الاعتداء الجنسي من قبل أخيها الذي كان يستغل لحظات خلو المنزل ليتحرش بها.
"أنا تعبت كثيراً... كل المسؤوليات عليّ، وفوق هذا عنف وإهانة وضرب وتحرش. لي فترة بهذا الوضع ولم أعد قادرة على التحمل. عندما سمعتك في الورشة، تشجعت وعرفت أن هناك مؤسسات تساعد، وجرؤت أن أتحدث معك."
بدأت رحلة العلاج مع م.ص من خلال جلسات الإرشاد الفردي. في البداية، تم منحها مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرها وتمارين التنفس لمساعدتها على الحديث. كانت تعاني من أعراض الصدمة النفسية: الخوف المستمر، القلق، التوتر، ضيق التنفس، تسارع دقات القلب، الصداع، والأرق.
تم وضع خطة علاجية شاملة استندت إلى العلاج المعرفي السلوكي، وتضمنت تقنيات إدارة الغضب والحزن، وأنشطة لتعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات. تعلمت م.ص معنى الصدمة وأعراض ما بعد الصدمة، وأهمية الرعاية الذاتية والتمكين.
مع مرور الوقت، بدأت م.ص تلاحظ تغييرات إيجابية في حياتها. شعرت بالراحة والأمان، واكتسبت مهارات جديدة للتعامل مع نفسها ومع البيئة المحيطة. زادت ثقتها بنفسها، وأصبحت قادرة على المناقشة والاعتراض على ما لا يعجبها. تطورت شخصيتها لتصبح أكثر قوة، وتعلمت التعامل بإيجابية مع المواقف الصعبة، والمواجهة بدلاً من العزلة.
الأهم من ذلك، استطاعت م.ص أن توقف الاعتداء الجنسي عليها بشكل حاسم، واتخذت إجراءات الحماية والأمان في المنزل. تم تزويدها بأرقام الطوارئ اللازمة، وما زالت تتلقى جلسات متابعة.
اليوم، تحولت م.ص من ضحية إلى مدافعة نشطة عن حقوق المرأة. انضمت إلى شبكة الشابات في الجمعية وشاركت في العديد من ورش العمل. أصبحت قصتها مصدر إلهام للأخريات اللواتي يمررن بظروف مماثلة، مثالاً حياً على أن الشفاء والتمكين ممكنان مهما كانت الظروف قاسية.
